* في الفيلم المصري الكوميدي «طَبّاخ الرَّيْس»، أراد زعيم الدولة الافتراضية التي يتحدث عنها الفيلم الخروج من بُرجه العاجي، والنزول للشارع لتفقد أحوال شَعبِه، الذين كانت أوضاعهم سيئة جداً بخلاف ما كان يرسمه المحيطون بالرئيس؛ الذين عملوا على إلزام الناس لبيوتهم حتى لا ينكشف أمرهم؛ وذلك من خلال الترويج بأن أشعة الشمس في ذلك اليوم سيصدر عنها ما يُصيب الإنسان بالمرض والعَمَى؛ وفعلاً وجَد الرئيس المُغَيَّب عن الواقع الطرقات والميادين خالية؛ فجاء سؤاله لسكرتيره الخاص: وَدِّيْتُم النَّاس فِيْن؟!!
* تلك المشاهد تذكرتها والبرامج الحوارية في معظم وسائل الإعلام بالدول العربية خلال شهر رمضان وفي العِيْد، وفي غيرهما قد غُيِّبَ فيه مختلف أطياف البشر؛ فلم يحضر فيها إلا (المطربون والمطربات والممثلون والممثلات)، الذين ينتقلون من قناة إلى أخرى، ومن إذاعة إلى ثانية وثالثة، ومن صحيفة إلى مجلّة فموقع إلكتروني، يُرددِّون الكلام نفسه عن حياتهم الشخصية وبطولاتهم المزيفة، وبل وأحياناً فضائحهم -كما حدث في «برنامج شيخ الحارة» الذي تعرضه إحدى القنوات المصرية الخاصة-، والذي تمّ إيقافه قبيل نهاية رمضان لتجاوزه كل الخطوط الحمراء!
* فالقائمون على تلك البرامج وقنواتها يبدو أنهم مؤمنون بأن الشعوب العربية كلها قد ماتَت فلم يبق على قَـيْد الحياة إلا مَن يُسَمّون بـ(الفَّنَانين والفنّانات)؛ فليس في المجتمع من يستحق أن يسلط عليه الضوء، فليس هناك قَـامات علمية وثقافية، ولا يوجد رموز وطنية عصامية أعـطت الكثير لبناء وطنها وخدمة مجتمعها، وليس هناك آباء وأمهات حفروا في الصَّخـر، وقدموا التضحيات وسنين العمر لِتَربية جِيْـل صالح وطموح!
* أعرف تماماً بأن تلك البرامج تبحث عن المتابعة والمشاهدة والإعلانات الداعمة لها، لكن ما يحدث قـد زاد عن الحد، وتجاوز المنطق وأحياناً الأخلاقيات والمهنية الإعلامية، فما ألمسه تكريس واضح ومنظم ومقصود لـ(المطربين والمطربات والممثلين والممثلات)، وتقديمهم كرموز وقـدوات للشباب والشابات؛ مع أن الكثير منهم لا يحملون فكراً ولا قضية، والسلوكيات الحَياتية لـ(بعضهم) يكتنفها الغموض وشيءٌ من السلبيات، مع التقدير جداً للمحترمين منهم؛ ولذا سأبقى أحذر من تلك الممارسات، آملاً أن تتجاوزها بعض وسائل إعلامنا المحلية.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
