Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

لا إجازة في الإجازة!

A A
تحل الإجازة، فنظن أننا قدِ امتلكنا الوقت بكل أبعاده، غير أن الذي يحدث هو أن الارتباطات الاجتماعية ممثلة في (الأعراس) تُطبِق على وقت الإجازة فتجعلنا أشبه ما نكون في دوام رسمي يتطلب منا المرابطة عند عتبات قاعات الأفراح بغض النظر عن أماكن وجودها؛ فقد نرابط الليلة في أبها وغدًا في القنفذة وبعدها في الطائف. المتعارف عليه أن للزواجات ثلاثة أركان: الأول- ركن المُلْكَة، والثاني- ركن احتفال العريس، والثالث- ركن زفة العروس، وهذه الأركان أصبحت أثقالاً وأغلالاً ينوء بحملها المجتمع السعودي وخاصة كلما اتجهنا جنوبًا وأَتْهَمْنَا، حيث التكلُّف والتكاليف. من العجائب أن الركن الأول (المُلْكة) أصبح بمنزلة الركن الثالث (زفة العروس) في عدد المدعوات وقاعة الأفراح والطقاقة وتكاليف العَشاء، وما يلحق به من كماليات وإسراف، في حين كانت المُلكة تقتصر على العريس ووالده، ووالد العروس وربما بعض إخوتها، مع حضور المأذون الشرعي لتتم عصرًا بكل بساطة.

وربما يُطرح سؤال عن موقفي من هذا الركن فأقول: إنني بفضل الله نجحت في تخطيه في أول اختبار لي ربما بنسبة (90%)؛ فقد كانت مُلكة ابنتي (في منزلي) بحضور والدتي وأخواتي، وبعض أخوات زوجتي وخالاتها ووالدة العريس وبعض أخواته، وفي الجانب الرجالي دعوت اثنين من إخوتي وأربعة من الأقارب ووالد زوجتي. أما قراباتنا خارج الديرة فقد أعذرناهم ورجوناهم ألا يحضروا، فكان الحضور في الجانب النسائي لا يتجاوز الـ(٢٠) وفي الجانب الرجالي لا يتجاوز الـ(١٠)، وتمت المناسبة ما بين المغرب إلى العاشرة دون أن نشق على أنفسنا وعلى الآخرين، محتسبين في ذلك الأجر، راجين أن نكون بذلك قد سَننَّا سنة حسنة.

أما الركن الثاني (احتفال العريس) فهو الآخر لا يقل عن سابقه عناءً وتكاليف، ذلك أن والد العريس يعمد لتوجيه رقاع الدعوة في كل اتجاه، حتى إذا حانت الليلة الموعودة تدفق عليه المدعوون من كل فج، ودفع كل واحد مبلغًا من المال يسمى (الرفد). والحقيقة أن ابتهاج والد العريس بالمدعوين في تلك الليلة هو بمثابة السكرة التي تُبهجه غير أن عواقبها المتمثلة في مرابطته طوال الإجازة عند قصور الأفراح لتسديد مستحقات الناس عليه تجعل الإنسان يعيد النظر في هذا الأمر، خصوصًا وأن عدم الوفاء بها لأي ظرف يغدو سببًا لسوء الظن ونشوء الخلافات بين الداعين والمدعوِّين. وعن موقفي أقول: إنني لم أخض هذه التجربة بعد، لكنني عاقد العزم -بإذن الله- على ألا أدعو أحدًا، وسأكتفي بأقل القرابة. وربما يقول قائل وكيف تترك ما لك عند الناس من (أرفاد)؟ فأقول: إن ما قدمته هو بمثابة هدية للعريس وليس دَينًا، ثم إنني لو وازنت بين ما ليَ عند الناس مقابل تكاليف العشاء وما يلحق به، والعناء فربما لن يكون الفارق كبيرًا (وكأنك يابو زيد ما غزيت)، بالتالي فإنني أُفضل إراحة نفسي، وأحتسب عند الله أنني لم أشق على الآخرين الذين منهم من أرهقته الديون، ومنهم من سيترك ارتباطاته الضرورية ليحضر عندي، ومنهم من سيتكبد عناء السفر ومخاطره ليصل إليَّ. ثم إنه مادام أن الهدف من الرفد هو دعم والد العريس فلماذا لا نُريحه من استئجار أفخم القاعات وشراء عشرات الذبائح والتعب والنصب، ونخفف على المدعوين هَم الارتباط ومشقة السفر وذلك بأن يكتفي والد العريس بإرسال رقم حسابه للمدعوين ومن أراد أن يرفد فليُحوِّل رفدَه.. ولا ضرر ولا ضرار؟.

أما الركن الثالث (زفة العروس) فلا يكاد ينجو منه أحد إلا أولو العزم وقليل ما هم، وعن نفسي فلا أدعي النجاح فيه كالركنين السابقين، لكنني سأعمل جاهدًا للخروج بأقل التكاليف والمشقة تمهيدًا للتغلب عليه مستقبلاً. وقد أجاد السنابيُّ (علي بن عالي) حينما عمل مقارنة بين تكاليف زفة العروس عند الأغنياء وعند الفقراء ووجد أن التكاليف تنخفض عند الأغنياء وتزيد وبفارق كبير عند الفقراء، وقد أحسنتْ قبيلة (آل موسى) بمحافظة بارق عندما عمدت لشروط تلزم أفرادها بالتيسير والبعد عن التكلف والتكليف. أخلص من هذا إلى أن الأعراس أصبحت همًّا وكابوسًا ووبالاً، ليس لغلاء المهور؛ وإنما لما يترتب على المُلكة -وربما تصبح الخطوبة مثلها قريبًا- وعلى حفل العريس وعلى زفة العروس من تكلُّف وتكاليف وارتباطات، وسوء ظن بين الداعين والمدعوين، وتبذير، وسهر، وديون تنعكس على مستقبل العريسَين.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store