Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالله الجميلي

الصمت ثم حُسْن الاستماع!

A A
* رغم تعدد وسائل الاتصال بين البشر في عصرنا هذا نتيجة للثورة التقنية؛ إلا أن التواصل الفاعل والمثمر بينهم يعاني من الوَهَـن؛ وأيضاً رغم غزارة المعلومات المتاحة وتنوع الينابيع التي تتدفق منها إلا أن الإفادة منها محدودة؛ لأسباب أهمها من وجهة نظري غياب ثقافة الاستماع أو الإنصات باعتبار أن الأصوات والأَلْسن هي الوسائل الأبرز في الحوار، ونقل المعلومات.

* فالاستماع هو الوسيلة التي يتصل بها الإنسان في مراحل حياته الأولى بالآخرين، فمن خلاله يكتسب الكثير من المفردات ويتلقى الأفكار والمفاهيم أكثر من النصوص المكتوبة، فإذا كان معدل سرعة كلام الإنسان المنطوق هو «175 كلمة» في الدقيقة تقريباً، كما تشير إحدى الدراسات، فهذا معناه أن المرء يمكن أن يتحدث بصورة مستمرة (كالمذياع)، بمعدل «10,500 كلمة»، ولو افترضنا أن متوسط كلمات الصفحة الواحدة في «كتاب ما هي 350 كلمة، فإن إجمالي عدد الكلمات في كتاب يتكون من 200 صفحة، قد يبلغ 70 ألف كلمة»؛ وهذا يعني أننا يمكن أن نسمع كتاباً كاملاً كهذا خلال «6-7 ساعات» (70 ألف ÷ 10,500 كلمة بالساعة»، ولذا كان الاستماع والرواية مَطِيّتين لِنَقْل التراث الثقافي والحضاري الإنساني عبر الأجيال!.

* وبالتالي ولكي يُفِيْد الإنسان من قنوات الحوار المفتوحة مع غيره، ويزداد معرفة من حجم المعلومات الكبير جداً التي يستمع إليها اليوم في كل لحظة من حياته عليه أن يتعلم ثقافة الإنصات التي تبدأ بـ «السماع الجيد للكلمات، ومعرفة معانيها والأفكار التي وراءها، وفهمها، والقدرة على تذكرها»؛ وللوصول لتلك المرحلة من التركيز هناك مجموعة من الخطوات منها: (عدم رسم صورة ذهنية مسبقة عن المتحدث أو أفكاره قبل استكماله كلامه وعرض آرائه، والشعور بأهمية الموضوع، والإقبال ذهنياً وحركياً على المتحدث، ومتابعة تعبيراته اللفظية وانفعالاته النفسية، والابتعاد عن مقاطعته، وهناك محاولة تدوين بعض الأفكار المهمة، وكذا السعي لفهم الموضوع كما أراده المتحدث لا كما يرغبه المستمع،...)!

* أخيراً قالوا قديماً: أول العلم الصَّـمت ثم حُسـن الاستماع، ثم علينا أن نتذكر -كما يشير الدكتور محمد النغيمش الذي أفدتُ من مقالاته المهمة في هذا الميدان- أن لدينا أُذُنَــين وفَماً واحداً، ربما لنصغي ضِعْف ما نتحدث، وهذا مصداق لقول الشاعر:

اسمَعْ مُخاطَبَة َ الجَليسِ ولا تكن

عجلاً بنطقكَ قبلما تتفهمُ

لم تُعطَ مع أُذُنَيكَ نُطقاً واحِداً

إلاَّ لتَسمَعَ ضِعفَ ما تَتَكَلّمُ

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store