Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد البلادي

هل زادت وسائل التواصل من شعورنا بالنرجسية؟!

A A
· النرجسية -كما هو معروف- هي الإفراط في حب الذات، والتمركز حولها لإشباع رغبة الرضا عن النفس والمبالغة في أهميتها.. ويعود هذا المصطلح الى الميثولوجيا اليونانية القديمة، التي تقول إن الصياد الوسيم (نرسيس) قد وقع في عشق ذاته؛ عندما رأى انعكاس صورته على صفحة الماء، فأغرم بها؛ وأخذ في (البحلقة) في صورته بإعجاب الى أن مات!. كان هذا في اليونان القديمة، أما اليوم فقد اختلفت الصورة قليلاً، فنحن نحدق في انعكاسات صورنا طوال اليوم في هواتفنا النقالة على صفحات مياه برامج التواصل بحثاً عن إعجابات -أو قل إن شئت (لايكات)- الناس بصورنا أو يومياتنا أو سياراتنا أو حتى طعامنا على (سناب شات) و(انستجرام) و(تويتر) وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت تشغل حيزاً كبيراً من أوقاتنا، وتغذي ميولنا النرجسية بشكل أو بآخر.

· السؤال المطبوع على جبهة المقال ليس جديداً، فقد تنبه خبراء الصحة النفسية الى أن النرجسية باتت أكثر شيوعاً في حياتنا اليومية، وأنها أكثر ظهوراً في جيل (السيلفي) من ظهور السمنة بينهم.. ويؤكد هذا الاتجاه تقرير نشره موقع BBC العربي قبل فترة استناداً الى بيانات من ثلاث جامعات أمريكية مختلفة، تقول إن معدلات النرجسية لدى الطلاب في أميركا قد ازدادت بشكل واضح خلال الثلاثين عاماً الماضية، ويشير التقرير أن لوسائل التواصل الاجتماعي التي هي بمثابة الموطن الطبيعي لـ»جيل السيلفي» اليد الطولي في هذا!

· منصات التواصل الاجتماعي أحد أهم مميزات هذا العصر، ولاشك أنها أفادت البشرية كثيراً في كل مناحي الحياة تقريباً، لكن من المهم الانتباه الى أننا أمام صناعة تقدر بمليارات الدولارات، صناعة تسحبنا للبقاء أمام أجهزة هواتفنا النقالة، مستغلة حاجة البشر للثناء والتواصل الإنساني؛ فتبيعها عليه، على أن يكون هو الزبون والسلعة في نفس الوقت.. صحيح أن البشرية استخدمت وسائل الإعلام لرؤية (انعكاسات) لأنفسهم حتى قبل الهواتف المحمولة ووسائل التواصل بوقت طويل، لكن الإسراف الملحوظ اليوم في استخدام وسائل التواصل يعود الى مجانيتها وجاذبيتها مقارنة بوسائل التوثيق والاتصال القديمة مثل البريد والتصوير.. فالرأسمالية المتوحشة التي (سلّعت) كل شيء في حياتنا؛ لم يفتها أن تدعم (سُعار التواصل) من أجل دفع عجلة الإعلانات.. لذا يجري تحفيز هذه المنصات لتشجيع استخدام شبكاتها من أجل بناء جماهير أوسع، وسوق أكبر تباع فيه الإعجابات والمعجبون والمتابعون من أجل إرضاء (نرسيس) الجديد.

· ارتفاع نسب النرجسية في عصرنا؛ مؤشر خطير للفردية التي تجتاح العالم، والتي تقودنا إليها الرأسمالية تحت اسم التواصل!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store