Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

بكاء على رأس توت عنخ آمون.. إنه جدك الملك!

إضاءة

A A
حتى الآن لم أقرأ أو أسمع ما يشفي غليلي وملايين المصريين والمحبين لمصر بشأن بيع رأس الملك توت عنخ آمون في مزاد علني بإحدى صالات العرض في لندن.

والواقع أن شغفي بملوك مصر الفراعنة بدأ تاريخياً ثم فلسفياً ثم فنياً قبل أن أكتشف أنه حب لمصر بتاريخها وعبقريتها وحضارتها.. بفنها وإبداعها.. بأرضها وجيشها.

كنت قد نجحت لفترة في مصادقة معلمي الدكتور عزت قرني أستاذ الفلسفة بآداب عين شمس والذي منحني ذات يوم «قرش صاغ مخروم»، قال لي إنه ورثه عن أمه!، والمناسبة كانت مداخلتي في إحدى المحاضرات عن أخناتون!.

لقد أشعرني د.قرني أن أخناتون ليس مجرد ملك فرعوني لمصر وإنما هو جدي! ولأنه كان حريصاً على إبراز النزعة الإيمانية لدى هذا الفرعون وحرصه على تعميق مبدأ التوحيد قبل نزول الأديان فقد عشقت أخناتون كثيراً طوال دراستي للفلسفة على يد فلاسفة مصر العظام.

وحين دخلت عالم الصحافة زرت وادي الملوك الذي كم حدثني د. قرني عنه.. إنه الوادي الساكن على الضفة الغربية من نهر النيل هناك في مدينة الأقصر.. ويضم الوادي نحو ٢٧ قبراً ملكياً تعود لثلاث أسر مصرية.. هنا يرقد (تحتمس) وبجانبه (أخناتون) وهناك ينام رمسيس الثالث والتاسع، وفي هذا الركن تنام الملكة نفرتاي؛ وفي الجهة الأخرى يرقد امنحتب.. وغيرهم من الملوك.

تذكرت ليلة نقل رمسيس الثاني من ميدانه الشهير أمام محطة مصر قبل بضع سنوات.. وحين اصطحبني أخي الأكبر الذي كان يخدم في الجيش المصري العظيم برتبة لواء أشعرني من فرط تأثره أننا نمشي خلف جنازة الملك المقاتل الإنسان وليس التمثال.

وكان ما كان وقرأت في الشرق الأوسط تقريراً عن قرب بيع رأس الملك توت عنخ آمون في مزاد علني بلندن قبل أن أقرأ في الأسبوع التالي خبر إتمام عملية البيع!.

هكذا اكتملت دائرة الغضب الذي استبد بي على جميع الأصعدة.. فالرأس المباعة هي للملك توت ابن عشقي الأول الملك أخناتون.. والمزاد العلني لرأس الملك الشاب يتم على الملأ محققاً نحو خمسة ملايين جنيه إسترليني (4.746.250)، وذلك رغم اعتراضات ومطالبات مصرية باستعادة القطعة الأثرية التاريخية.

لكن الدار البائعة قالت بفُجر تُحسد عليه في بيان رسمي: «كان هذا العمل نادراً وجميلاً ومهماً!: ندرك أن القطع التاريخية تثير مناقشات معقدة حول الماضي، لكننا نرى أن دورنا اليوم يكمن في العمل على الحفاظ على سوق فنية شفافة وشرعية تحرص على رقي عملية نقل القطع».

كنت أتجرع كلمات البيان خاصة وهو يضيف: «هناك سوق (شريفة) للتجارة في القطع الأثرية، ونعتقد أنه من حق العامة أن تظهر تلك القطع في العلن، حيث يتسنى التحقيق في أمرها، وأيضاً أن يتمكن الجمهور العالمي من رؤيتها والاستمتاع بها».

كتبت المقال تعبيراً عن الغضب في الأسبوع الماضي وآثرت الانتظار علني أقرأ أو أتابع رد فعل مناسب للحدث المؤلم.. وبالأمس فقط قرأت مقالاً للدكتور زاهي حواس زادني ألماً وعجباً!، لقد حرص د. زاهي على توضيح أن عملية التهريب حدثت قبل ١٩٧٠ أي أنه شخصياً وجيله كله من العلماء والمسؤولين لا علاقة لهم بالجريمة.. والحق إنني أتفهم ذلك وقد أتقبله، لكن السؤال الذي يقفز للذهن هو: ما الذي فعله د.حواس ومن معه من أجل إعادة تلك الرأس المسروقة؟، لماذا انتظرتم وتنتظرون كل هذه السنوات؟!.

أخيراً علمت أن وزارة الآثار المصرية طلبت من السفارة في لندن تكليف محامٍ لمقاضاة الدار المنظمة للمزاد!.

ثم تكتمل دائرة الغضب بل الحنق وأنا أقرأ تصريحاً حاسماً من دكتور حواس يقول فيه: إن لعنة توت عنخ آمون سوف تحل على من باع الملك الشاب!.

يقيناً دكتور حواس لو أنها كانت تَحلُّ لحلَّت بعشرات من المسؤولين الذين هرَّبوا او اشتركوا أو صمتوا عن تهريب أغلى ما تملكه مصر!.

هكذا يتعرض الملك الشاب للإهانة مرتين.. مرة في حياته عندما تآمروا عليه واغتالوه في سن مبكرة حيث ظهرت كسور في فخذه وجمجمته.. ومرة وهم يبيعون رأسه في مزاد علني.

يقيناً لو أنه يستطيع أن يخرج صوته للكون.. لعبَّر عن ألمه والتياعه من هذا التبلُّد والركون إلى المداراة أو الصمت أو السكون.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store