* قبل سنوات كنتُ ضمن اللجان العاملة على اختبارات (قياس) المفروضة على «طلاب الثانوية» قبل التحاقهم بالدراسة الجامعية، وذات يوم جاء أحدهم يحمل الإشعار البنكي بدفعه للرسوم، ولكن ولأنه قد تأخر عن موعده المحدد، فقد طَالبه رئيس اللجنة بدفع (50 ريالاً) عقوبة تأخير، وكان ذلك إجراء مُتَّبَـعاً حينها؛ فَارتبك ذلك الشَّاب واغْـرورقت عَيناه بالدموع، وهـو يؤكد أنه لا يحمل ذلك المبلغ، وقد أتى من قريته البعيدة؛ -وكانت هيئته وملامحه الطيبة تظهر حالة الفقر التي يعيشها- لِـيُـســمح له بعد ذلك بدخول الاختبار بعد أن تبرع أحد الحاضرين بتسديد المبلغ!.
* ذلك الموقف استفزني جداً فَكتبتُ مقالاً حينها أطالبُ بمجانية «اختبارات القياس والقدرات» في ظِل معاناة بعض الأسَـر ذوي الدخل المحدود أو المفقود من تبعات رسومها، ولاسيما مع تكرارها بحثاً عن الدرجات الأفضل؛ وبعد نشر المقال اتصل عليّ أحد مسئولي «قِــيَــاس» مُعاتباً، ولِيُخبرني بإنهاء خدماتي؛ بحجة أنّ مَن ينتقد «مؤسسة ما» عليه أن لا يعمل فيها!.
* والمهم اليوم وبعد مرور عدة سنوات أرى الأمر يتطور «ومركز قيَاس» -ما شاء الله- يَتَورم فإضافة للرسوم التي يدفعها مئات الآلاف من طلاب وطالبات الثانوية من أجل «اختباري القدرات والتحصيلي»، جاءت العديد من الاختبارات المتنوعة، التي منها «الكفايات» التي يُلزم بها مَـن يُريد أن يلتحق بالتدريس من خريجي الجامعات، أما آخرها فما أعلن عنه قبل أيام؛ حيث فَرضتْ «وزارة التعليم» في لائحتها الجديدة على مُعلميها ومعلماتها الذين يتجاوز عددهم الــ «600 ألف» الحصول على رخصة تدريس دَوْرِيّة، يحددها اختبارٌ مدفوع الثمن في كُلِّ مَــرة!.
* وهنا يبدو لي أن «وزارة التعليم» تُعاني مِن «أزمة ثِقَـة»، فهي لا تثق بخريجي ثانوياتها فتجبرهم على اختباري القدرات والتحصيلي قبل الدخول في جامعاتها، ولا تؤمن بكفاءة خريجي تلك الجامعات ودبلوماتها التربوية؛ فتطالبهم باختبارات الكفايات قبل قبولهم مُعَلِّمِيْنَ في مدارسها، ثم تواصل الشَّك بقدراتهم؛ فتُلزمهم باختبارات دورية ورُخص مهنية!!.
* أخيراً مَتَى تثق «وزارة التعليم» بمخرجاتها؟ وإذا كانت هي مَن يفرض كل تلك الاختبارات المتوالية على منسوبيها من طلاب ومعلمين؛ فلماذا هم مَن يدفع رسومها؟!.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
