Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. عائشة عباس نتو

نظارة أمي.. وإن رحلت..!

A A
دخل الرجل السبعيني بهدوء يحمل نظارة ملفوفة في منديل قطني، وبصوت خافت قال: «إنها نظارة أمي»، وأرغب في تغيير عدساتها الطبية..

عاد بعد أيام عدة لاستلام النظارة وتفحصها، ووضعها على عينيه وتمتم بأدب جم قائلًا: النظارة هذه هديتي لأمي قبل رحيلها، فقد تعلمت منها سر سعادتها في اعتدالها، في كل شيء، وفي نظرتها للحياة من خلال هذه النظارة، حيث إقبالها على الحياة والنزعة التفاؤلية التي تكتسي روحها رحمها الله.

إلى هنا وانتهت هذه اللقطة الإنسانية التي اقتحمت روحي.. فأن يعترف شخص بعيد عنك بأسراره فذلك يعني أنه يضيف لحياتك أكثر من حياة، وأنك حالة أمان عبرت به أيًّا كانت نوعية تلك الأسرار، ويبدو أنّ اللحظات التي عاشها بصدق مع أمه، والأحداث التي أثرت في ذاته جعلت منه شخصًا يشيع الوفاء والحب، فهي التي جعلته قادرًا على التأثير في الآخرين عبر حبه لها، وكلما اشتبك الإنسان بتفاصيل الحياة اليومية، شعر بالحاجة إلى تسجيل ما أثر فيه.

يقول: عشت وحدة عميقة بفقدان أمي، كأنه يحاول أن يقول لنا: إن بعضًا من (أدب الاعتراف)، هو لعبة لا أكثر يحددها الموقف والزمان والمكان.

انطلقت الكلمات منه ممزوجة بالدموع بينما يستعيد النظارة إلى يده أو حتى إلى قلبه.. وكأنها فتقت العمر عنده لكنه كان مبتهجًا بها وسعيدًا، استرخى قليلًا على مقعد المحل، كان الطقس يشير إلى درجات مرتفعة في مدينة جدة، واندمج في شرود أشبه بالغيبوبة المتجمدة، غافلته وسحبت نظرتي على علبة النظارة أتفحصها.. تمتمت في نفسي وأنا أتأملها لا يقدر الشخص الهدية إلا إذا حققت رغبة لديه، هذه صورة التقطتها لكم أيها القراء عن نظارة بقيت أقوى من الموت وأقدر على الحياة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store