Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد البلادي

هل ستساهم اللائحة التعليمية الجديدة في تسرب المعلمين؟!

A A
· على عكس كل التوجهات العالمية الحديثة التي تعمل باتجاه تحقيق الرضا الوظيفي للمعلم، وتشجيعه لممارسة مهنته الأساسية مع الطلاب وداخل الفصول، جاءت لائحة تقويم المعلم الأخيرة لتشكل ضغطاً سلبياً جديداً ومنفراً للمعلم!.. وعلى عكس توقعي الشخصي بزيادة امتيازات المعلم المالية والوظيفية (خصوصاً المعلم المجتهد والباحث عن المعرفة) وإغرائه بالعمل المباشر مع الطلاب، جاءت اللائحة لتدفعه نحو التسرب باتجاه الأعمال الإدارية، أو بالهرب كلياً خارج إطار المدرسة!

· دعونا نقول أولاً إن اللائحة تعدّ إنجازاً مهماً للوزارة، وأن هناك الكثير من الوجوه الجيدة لها، لعل أبرزها أنها وضعت أولى خطوات التوجه نحو (تمهين التعليم) في بلادنا، وهو الأمر الذي كنت شخصياً قد طالبت به غير مرة ، لكن هذا لا يمنع من القول أيضاً إنها مازالت بحاجة للكثير من المراجعات لضمان عدم تحولها إلى عقبة في طريق تطوير المعلم، وتنفيره من مهمته الأساسية.

· لا أريد أن أتهم اللائحة بأنها ستزيد من غربة المعلم السعودي في بيئته، وأنها ستكرس النظرة الدونية له من خلال تجريده من كثير من المزايا المالية التي يستحقها، أو من خلال فرض المزيد من الرقابة والسلطوية عليه، لكن يبدو أن الأمور تتجه الى هذا بالفعل.. فإذا كنا نجد بعض العذر لمنح ادارة المدرسة مميزات مالية إضافية كونها جزءاً مهماً من أجزاء المدرسة، فإنني و للأمانة لا أجد سبباً واحداً ‏لمنح كل هذه الأعداد الكبيرة من المعلمين المتسربين لأعمال إدارية هامشية في الإدارات التعليمية الوسطى تحت مسميات مختلفة (مشرف مقصف، مشرف أمن، مشرف جودة، مشرف نقل ، مشرف صحة... الخ ) فبدلاً من أن تقوم اللائحة بتصحيح أوضاعهم وإعادتهم الى المدارس، نجدها -وياللعجب - تقوم بمكافأتهم بمبلغ ٥٠٠ ريال شهرياً.. وتحرم المعلم -والعجب لاينقضي- منها!.

· لا أود الخوض في عبارات انشائية للدلالة على أهمية المعلم، وأهمية رضاه الوظيفي، بل سأكتفي فقط بالتذكير بأن التجربة الفنلندية التي تتسيد العالم اليوم، قامت على فكرة استقطاب المعلم المميز من أصحاب الشهادات العليا؛ ووضعه في الصفوف الأولية تحديداً.. وأن إعطاء المعلمين حقوقهم، والاجتهاد في تمييزهم عن غيرهم، ومحاولة جذب أصحاب الشهادات العليا منهم للعمل في المدارس هو الأمر المشترك بين كل التجارب التعليمية الناجحة في العالم، كما أنها الخطوة الأولى والأهم لأي عملية إصلاح تعليمي، فالمعلم هو الترس الأهم بين كل تروس العملية التعليمية، وهو من يعول عليه فعلياً لبناء جيل واع ومنافس، وهذا لن يتحقق إلا من خلال معلم راضٍ ومحب وفخور بعمله، مع احترامي لباقي المنظومة التعليمية.

· باختصار.. الفصل الدراسي القوي والمسلّح بمعلم متمكن، راضٍ مهنياً، وواثق من نفسه، هو سر النجاح الأكبر في أي نظام تعليمي.. لذا فإن التحدي الأكبر أمام أي مشرّع يتلخص في تهيئة هذا الفصل، و ايجاد هذا المعلم، وصناعة البيئة والحوافز الضامنة لخلق روح تنافسية بين كل منسوبي التعليم للعمل في المدارس لا الهروب منها.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store