Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالمنعم مصطفى

من تسويق الغسالات إلى تسوية المعضلات.. العالم يأكل بعضه!

A A
يشكو صاحب مصنع للغسالات الكهربائية من تراجع حصته في السوق بسبب منافسيه، فينصحه مندوب تسويق مبتدئ أن «يأكل بعضه» أي أن ينتج غسالة أخرى تحت اسم تجاري جديد، ويدفع بها إلى السوق لتزاحمه هو ومنافسيه، بما يسمح له باستعادة حصته القديمة التي فقدها، وربما تجاوزها أيضاً، تنجح خطة مندوب التسويق المبتدئ في إنقاذ شركة رجل الأعمال، فيوافق أخيراً على أن يزوَّجه ابنته الوحيدة.

تلك كانت قصة فيلم (جعلتني مجرماً) بطولة الفنان أحمد حلمي والنجمة غادة عادل والفنان حسن حسني، ما يعنينا فيها هنا هو نظرية (كُل بعضك) التي طرحها أحمد حلمي على حسن حسني لإنقاذ صناعة الغسالات التي يمتلكها الأخير.

تلك النظرية، التي يجري تحقيقها بشكل أو بآخر في منطقة الشرق الأوسط، كإحدى آليات إعادة رسم الحدود وخرائط النفوذ بين قوى متنافسة، بعضها إقليمي وأكثرها دولي.

« داعش» ليست سوى إحدى أبرز العلامات التجارية، التي جرى ابتكارها ضمن نظرية (كُل بعضك)، فهي تعمل أحياناً في سوريا لتقليص حصص إيران لصالح تركيا، أو لتقليص حصص روسيا لصالح أمريكا، وهي تعمل أيضاً في العراق لتقليص حصص الأكراد لصالح الأتراك، أو لتقليص حصص الإيرانيين لصالح الأمريكيين، وهي تعمل في ليبيا لحساب الأتراك والقطريين على حساب المحور العربي ( مصر والإمارات والسعودية)، أو لحساب إيطاليا على حساب فرنسا أو روسيا.

تعددت أسماء العلامات التجارية المصطنعة في سوريا والعراق بصفة خاصة، وكذلك في اليمن، وحتى في أفغانستان، وكشمير وإقليم الإيجور في الصين (تركستان سابقاً)، باعتبارها آليات لإنتاج قلاقل، أو لزعزعة استقرار، أو لتحريك وتسخين ملفات معينة في إطار صراع أكبر يديره لاعبون كبار.

لم تنجز العلامات التجارية (البراندات) المصطنعة مهامها بعد في الإقليم، لكنها مهدت الطريق أمام دفع الأزمات التي فجَّرتها، في مستهل دور جديد، تنحسر فيه الأضواء قليلاً عن تلك العلامات التجارية (براندات) وتتسلط بدرجة أكبر على اللاعبين المباشرين، سواء في الإقليم أو على المستوى الدولي، وهو ما يحدث الآن في ليبيا مع انكشاف شبه كامل لمستوى التورط التركي المباشر، أو في كشمير، بعد قرار هندي أحادي الجانب بإلغاء الوضع الخاص لكشمير في الدستور الهندي، ما يعني دمج الإقليم بالكامل في الهند على نحو أحادي، أو في مضيق هرمز واليمن وسوريا ولبنان، حيث اضطرت إيران الى الظهور كلاعب مباشر إلى جانب العلامات التجارية التي اصطنعتها في لبنان وسوريا والعراق واليمن (حزب الله والحشد الشعبي و جماعة الحوثي).

كذلك فقد اضطرت الهند وباكستان الى المواجهة المباشرة في كشمير، بينما تتصدى الصين بقوة لتهديدات تنطلق من هونج كونج، وبرنامج تسليح أمريكي لتايوان، بينما عينها على تركيا التي تتطلع الى وضع خاص في تركستان الصينية، وعلى إيران التي تهدد بسلوكها في مضيق هرمز بعرقلة إمدادات النفط للصين التي تعتمد بدرجة كبيرة على نفط الخليج بما فيه النفط الإيراني الذي حظر الرئيس الأمريكي ترامب تصديره.

المشهد الدولي والإقليمي معقد، والخيوط متشابكة، لكن طوراً جديداً ربما بدأ، أبرز ملامحه هو تراجع دور العلامات التجارية (داعش والنصرة والحشد الشعبي والحوثيين وحزب الله وجماعات الإيجور في تركستان، ومقاتلي كشمير، والتوحيد والجهاد، وحتى بوكو حرام في غرب أفريقيا)، لحساب أدوار مباشرة لدول وحكومات ما عادت تتوارى خلف جماعات أنشأتها أو دعمتها أو استثمرت وجودها.

التنافس الإقليمي والدولي ينتقل من طور استخدام العلامات التجارية الى طور التدخل الصريح والمباشر، ما يفتح الباب أمام أحد احتمالين، فإما مساومات كبرى يجري إنضاجها تحت وطأة السلاح، وإما حروب كبرى تمهد الظرف السياسي لمساومات مفيدة ومنجزة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store