Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. بكري معتوق عساس

قبائل مكة: (فهم) نموذجاً!!

A A
ورد أنه -صلى الله عليه وسلم- كان جالساً مع نفر من أصحابه فرأى سعد بن أبي وقاص مقبلاً، فقال لمن معه: «هذا خالي فليُرني امرؤ خاله». ولا شك أن الخال هو الأب والأخ والصديق المقرَّب لأولاد أخته فهو يحبهم ويحنو عليهم، فكأنه يترجم محبته وتقديره لأُخته، ويحبهم مثل أولاده. ومما أفخر به أن أخوالي من (فَهم) تلك القبيلة العريقة المتربعة على السهول الساحلية لمنطقة مكة المكرمة، وقد اشتهرت قديمًا بالفصاحة والذكاء وكثرة شعرائها، ولا زالت هذه الصفات ملازمة لهم إلى اليوم، وكان في صحابة المصطفى صلى الله عليه وسلم كثير منهم.

ومما أذكره في هذا المقال قصة البيت المفقود الذي ورد في كتب الحكايات والأدب. ففي حكاية (جمعان وزوجته وصديقه) التي وردت في الجزء الثالث من (أساطير شعبية) لعبد الكريم الجهيمان وردت هذه الحكاية: يقوم البطل (جمعان) برحلتين: الأولى تُهيئ لحدوث المشكلة، والثانية يكون هدفها حل المشكلة ذاتها بالبحث عن (الشطر المفقود) أو الشطر الذي يحوي (سر الأسرار) بحسب عبارة البطل، وتبدأ رحلة جمعان الأولى بعد زواجه مباشرة لقضاء حاجة في بلاد بعيدة، ولا يجد من يستأمنه على زوجته أفضل من صديقه الودود، فيعطيه بعض النقود ويوصيه خيراً بتلك الزوجة، وفي أحد الأيام يخضع الصديق لإلحاح زوجة جمعان بالدخول وتناول «فنجال قهوة جاهز»، فيدخل إلى بيت صديقه المسافر بنيةٍ حسنة وقصد شريف، ولكن الزوجة الخائنة قصدها غير شريف، وعندما يتأكد له قصدها يحتال عليها ويطلب منها إحضار القهوة لما بعد ذلك، ويستغل الصديق المتورط فترة خروجها ويكتب على أحد جدران الغرفة البيتين التاليين:

رُب عذرا تزينت فأتتني

ودعتني لوصلها فأبيتُ

لم يكُن طبعي العفاف ولكن

(...........................)

ويترك الصديق الوفي مكان الشطر الثاني من البيت الثاني فارغاً ويتسلل هارباً خارج البيت، ويستمر بعد ذلك في تأدية واجبه تجاه زوجة صديقه بحذر كبير.. وعندما يعود جمعان من سفره يلاحظ مصادفةً الأبيات التي خطّها صديقه على الحائط، وتُحدّثه نفسه بأن الشطر المفقود يحوي سراً خطيراً، وحينما تُعييه الحيل وتكل قريحته عن إيجاد شطر مناسب تبدأ رحلته الثانية بعرض القصيدة على الشعراء الذين يقفون عاجزين عن إنشاء شطر مُكمِّل للبيتين. ويُخبره أحد الحكماء بأن البيتين لا يقدر على إكمالهما سوى شخص من بني فهم الذين يسكنون في أحد أودية الحجاز، فيرحل جمعان ويحل في مضارب بني فهم ضيفاً على شيخ تبدو عليه أمارات الشهامة والذكاء، ويستدعي الشيخ ابنته الصغرى التي ترعى البهم ويعرض عليها البيتين، فتفكر قليلاً وتؤكد له ولضيفه بأن الشطر المفقود ينبغي أن يكون:

(كُنت خِلاً لبعلها فاستحيتُ)

وعندما تصل الابنة الكبرى التي ترعى الغنم مع غنمها يكون استنباطها للشطر المفقود مطابقاً لاستنباط أختها الصغرى، فيعود جمعان إلى وطنه حاملاً همه وتعبه وحاملاً الشطر المفقود أو (الشفرة) التي تدله على خيانة زوجته.

ومن هذه الحكاية الماتعة استنبطت صفة من صفات أخوالي الفهميين الذين ربما كان اسم القبيلة مأخوذًا من صفة الفهم التي هي من الصفات المحمودة والمطلوبة.

يقول أبو هلال العسكري (المتوفى ١٠٠٥م): «لا تعرف أنساب العرب وتواريخها وأيامها ووقائعها إلا من جملة أشعارها، فالشعر ديوان العرب وخزانة حكمتها ومستنبط آدابها ومستودع علومها».

* قال الشاعر الجاهلي ثابت بن جابر الفهمي الملقب (تأبط شراً):

فهمٌ وعَدوانُ قوم إن لقيتهمُ

خير البرية عند كل مصبِّح

لا يفخَلون ولا تطيشُ رماحُهم

أهلٌ لغرِّ قصائدي وتمدُّحي.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store