* أَنْ تتهافت طائفة من مجتمعنا على برامج الترفيه وفعالياته المختلفة من خلال مواسمه في «جدّة والطائف ومِن ثَمّ الرياض»، فهذا حقهم، وأن تُركز فئة منهم على الحفلات الغنائية دون غيرها من الفعاليات فهذا اختيارهم، وأن تشهد حفلات المطربين والمطربات العرب إقبالاً لافتاً؛ فذاك يراه العقل والمنطق طبيعياً في إطار وِحْدة اللغة والهوية الثقافية.
* ولكن العجيب والغريب تلك الجماهيرية الكبيرة والطاغية للفرق الغنائية الأجنبية المستقطبة، والتي بعضها من دول غير مشهورة في المجال الموسيقي وثقافتها بعيدة جداً عنا، ولعل أقرب الشواهد ما حدث في حفلة (فِرقَة «BTS » لموسيقى البوب الكورية) التي نُظِّمَت في «استاد الملك فهد الدولي معلنة انطلاقة «موسم الرياض الترفيهي».
* فقد رصدت وسائل الإعلام ومواقع التواصل مشاهد لجموع كبيرة من الجماهير أغلبهم من النساء اللائي حرصن على حضور «الحفلة» وتحمُّل حرارة الشمس، وطوابير الانتظار عند البوابات من أجلها، ومِـن ثمَّ الاستماع لها ومشاهدتها وقوفاً على الأقدام، ليأتي التفاعل مع موسيقاها ورقصاتها بالترديد والتلويح والصِّياح، حتى وصل الأمر ببعضهن إلى البكاء من شدة التأثّر والانفعال والاندماج!.
* فصدقوني ما يحدث اليوم من بعض أبنائنا وبناتنا خارج الصورة التي تختزنها الذاكرة لـ»مجتمعنا بمختلف أطيافه»، وأنا متأكد بأن الدراسات الاجتماعية كانت عاجزة عن توقع ما يصدر من هؤلاء الأبناء، إذ يبدو أن هناك شريحة منهم، نعم يعيشون بيننا، ولكنهم بعيدون عنّا، فهم في مجتمع موازٍ له ثقافته وطقوسه المتأثرة بالآخَر، حتى ولو كان وراء البحار في «كُوريا الجنوبية»، التي نجحت إحدى فِرقها الغنائية في الوصول لشباب وفتيات بعضهم ربما يجهلون تاريخ بلادهم!.
* وهنا في ظِل (تحديات العَـولَمَة، والثورة المعلوماتية والانفتاح على المجتمعات الأخرى) ومع الإيمان بالمساحات المشتركة بين الثقافات العالمية، وفي سيَاق التحولات التي تحضر في مجتمعنا، يجب الاهتمام بغرس تاريخنا وتُراثنا وثقافتنا السعودية في شرايين شبابنا، ليكونوا أكثر اعتزازاً وتمسكاً بها، وذلك عبر برامج وأنشطة تطبيقية تستخدم لغة وأدوات العصر؛ وتلك لا تقع مسئوليتها على (وزارة الثقافة) فقط بل تمتد لــ(التعليم، وشؤون المجتمع، والمؤسسات التربوية والإعلامية، وحتى هيئة الترفيه)، لنرفع بذلك راية هـويتنا وثقافتنا؛ لتكون قوة ناعمة ننقلها لغيرنا.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
