Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

ليالي الأنس النمساوية في القاهرة الخديوية!

A A
لسنوات طويلة ظللت عاجزاً عن معرفة سر انبهاري بها وألفتي معها، وحنيني الدائم إليها!، ورغم إقامتي وزياراتي للعديد من عواصم أوروبا، فقد ظلت العاصمة النمساوية فيينا هي المسيطرة على الوجدان كلما طرأت على الذهن أو وقعت العين على صورة أو أغنية أو قطعة موسيقية!.والحاصل أنني لم أتمكن من فك طلاسم هذا الانجذاب، وأنا العربي الهوى والقروي المزاج! وكان ما كان، وعثرت على تفسير رائع للدكتور جابر عصفور!.

شعرت وأنا أقرأ تحليل الدكتور عصفورعن الروح الرومانسي في أغنية «ليالي الأنس في فيينا» أنه يتحدث عني، قبل أن أكتشف من خلاله أن فطاحل الشعراء العرب غنوا لها وتغنوا بها وليس أحمد رامي فقط!

وقفت أمام تمثالي موزارت وشتراوس، وأنا أردد كلمات رامي عن فيينا باعتبارها كلها «روضة من الجنة»، وعن نسيمها الذي هو أيضاً من الجنة، وكلما تحركت سمعت نغماً «في الجو له رنة» وألحاناً إذا سمعها معي الطير «بكى من شدة الانبهار.. وغنى»!

اسمتعت بعروض مبهرة للموسيقارين العالميين اللذين أهديا للبشرية أعمالاً خالدة مثل «زواج فيغارو» للأول، والدانوب الأزرق للثاني.

ها قد وصلت للمربع الذهبي، حيث كاتدرائية سانت ستيفان العريقة، وعندما اقتربت من دار الأوبرا تذكرت نصيحة الوزير الصديقة إيناس عبد الدائم وبلا تردد دخلت!.

على باب أوبرا فيينا رحت أنشد قصيدة علي محمود طه: «يا فيينا أسمعي الدنيا وهاتي/ قصة الغابة والفلس الكبير.. أين الذنوب شدو الذكريات/ وصدى العشاق في الليل الأخير.. رحلوا عنك بأحلام الحياة/ غير قلب في يد الحب أسير».

عدت الي مصر، ومضيت في شوارع القاهرة لأفتش في مكتباتها عن «السيدة فيينا» تلك القصة المثيرة التي كتبها الدكتور يوسف إدريس، وقصيدة «أغنية من فيينا» التي سطرها صلاح عبد الصبور، وحين دخلت مسرح الجمهورية القريب من ميدان عابدين، بصحبة عاشق القاهرة المتيم «دكتور خالد غريب» أعادني تمثالي سلامة حجازي، وعبده الحامولي، إلى موزارت وشتراوس، ودخلنا في مقارنة أو مقاربة! لقد ملأ سلامة حجازى مصر والعالم العربي بألحان وأوبريتات ومسرحيات عديدة، وله يرجع الفضل فى تقديم سيد درويش للوسط الفنى. أما عبده الحامولي، مجدد الموسيقى العربية، وأبرز اسم في عالم الطرب في القرن التاسع عشر، والذي استخدم مقامات لم تكن موجودة في مصر كالحجاز ونهاوند فقد امتد أثره إلى مطربي القرن العشرين، ومع ذلك لا يعرف الكثيرون عنه سوى أنه زوج المطربة ألمظ!

هكذا تشابهت إنجازات ومسيرة ووفاة رائدى الموسيقى المصرية، مع نظيريهما النمساويين، بل ان شتراوس كما علمت، استلهم التراث العربي في أول أوبريت كتبها واطلق عليها اسم «ألف ليلة وليلة»!

من ذلك تشابه قصة زواج الموسيقار عبده الحامولي بالسيدة ألمظ «مطربة الخديوى» مع قصة زواج شتراوس بالسيدة هنريته تريفتس «مغنية الأوبرا»! ومن ذلك خلو جنازتي موزارت و حجازي من المشيعين تقريباً!

انتهى العرض الجميل في مسرح الجمهورية، وحين مضينا على أقدامنا في شوارع القاهرة، اكتشفت سراً آخر من أسرار الانجذاب.. إنها إبداعات المهندسين النمساويين الذين شاركوا في بناء القاهرة الخديوية!

اكتشفت أن معمارياً نمساوياً اسمه أنطونيو لاشياك هو الذي بنى بنك مصر سنة 1927 بشارع محمد فريد، وأنشأ العمارات الخديوية بشارع عماد الدين، ونادي الأمراء بشارع نجيب الريحاني، كما أعاد تصميم قصر عابدين بعد احتراقه. أما المعماري النمساوي مارسيل دورجنون فقد بنى مبنى المتحف المصري بميدان الإسماعيلية (ميدان التحرير حاليًا). وأما المهندس أوسكار هوروفيتس فقد بنى المبنى التجاري بميدان العتبة الخضراء.

الآن فهمت سر عشقي لفيينا الجميلة التي أعادتني لقاهرتي الأجمل، فلما طفت بها كان نسيم فيينا وعبق مبدعيها النمساويين يهب من أسطح العمارات الشاهقة والمتاحف المصرية الفارهة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store