Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

بين الشباب والشيب!

A A
عندما كُنَّا في مقتبل العمر وزهوة الشباب، كنا ننتقد –مثلا- المرأة التي تجاوزت العقد الرابع أو الخامس إذا هي تأنَّقت في المناسبات، وأضرب هنا المثل بالنساء، لأني مررتُ بهذه التجارب، وكنتُ أنظر للمرأة التي تكبرني بأنها ترتدي ملابس لا تليق بسنّها، وتحضر مناسبات الأعراس والسهرات وهي لا تليق بعمرها، وكنتُ أقول في سرِّي: لولا جلستُ في دارها أستر لها! لم أكن أعلم وقتها أني قد أتجاوز هذا العمر يوماً ما، وأني لن أحيل رغباتي ومشاعري ومصادر فرحي وهفواتي الصغيرة إلى التقاعد، بل ربما قد آتي أضعاف ما كانت تلك النسوة الفضليات يأتين به من مشاركةٍ في المناسبات والحفلات! وأن أرتدي ما يعجبني دون النظر إلى عمري الذي تجاوز مرحلة الشباب بمراحل، لأن إحساسي لازال شاباً، لا أحسب سنوات العمر وأنا أتسوَّق، بل أشتري ما يُناسب مقاسي، ويعجبني، دون النظر إلى اللون مثلاً، رغم أن الألوان كانت مصدر انتقادي، ربما لأن المجتمع المكي ضيق كثيراً على النساء؛ فالأم الشابة إذا زوَّجت ابنتها الطفلة عليها أن ترتدي الألوان المناسبة لوضعها الجديد، أي الرمادي والأزرق والكحلي مثلاً، لكن الزمن اختلف وتغيَّرت المفاهيم، بينما لم تتغيَّر مسيرة الحياة، ولم يتوقَّف التقدُّم في العمر، ولن تتوقف الحياة على عتبة الأزياء أو الألوان، أو المشاركة في مباهج الحياة.

لا يمكن تجاهل أن من كان اليوم شاباً غراً؛ سيصبح غداً أو بعد غدٍ رَجُلاً مسؤولاً، ثم شيخاً وقوراً، والوقار هنا لا يمكن قياسه بما يرتديه، أو بقصّة شعره ولونه، والأماكن التي يرتادها، فلا يمكن قتل روح الشباب والطاقة والمشاعر التي تتدفَّق في قلب وجسد المرء، لكن أحياناً ربما يتوهَّم المرء أن بعض الأنشطة والفعاليات لا تُناسبه، أو أنها تُناسب الشباب فقط، وهذا ربما أعاق كثيرين وكثيرات عن ممارسة كثير من الأنشطة أو المشاركة فيها، ربما هذا ينعكس سلباً ليس فقط على صحة وسلامة الجسد، بل يتسبَّب في كثيرٍ من المشاكل النفسية والذهنية، ثم ينطوي الإنسان وينعزل، ويصبح عبئاً على نفسه، ثم على مَن حوله.

الشباب يتعامل مع الحياة بمنطق مختلف عن نظرة والديه، أو مَن في حكمهم، وربما ينظر لهم بمنظارٍ قاتم، لا يرى من خلاله رغباتهم، وربما يستهجن بعض سلوكياتهم، أو رغبتهم مشاركتهم مباهج الحياة ومستجداتها، كذلك ينظر كبار السن للشباب بمنظار أكثر ضيقاً، فيتحسفون على الزمان، وينتقدون كل ما يُقدِّمه لهم الشباب، لأن نظرتهم فاقدة للثقة في قدرات الشباب، كل هذا هو ما يُطلق عليه صراع الأجيال، والجيل يُعبِّر عن مرحلة عمرية ومسافة زمنية تفصل بين جيلٍ وآخر، هذه المسافة الزمنية يكتسب خلالها الجيل السابق تراكمات معرفية، وتجارب حياتية، تُكسبه خبرة وحكمة –أحياناً- وربما لا يكتسب خلالها غير تقدم في العمر لا أكثر، أي أن التقدم في العمر لا يعني الخبرة والحكمة والمعرفة، لأنها لا تأتي بالتقادم، بل بالجهد والعمل واكتساب المعرفة، والاحتكاك المباشر مع الحياة، فصراع الأجيال؛ هو اختلاف الرؤى، وبناءً عليه تضطرب العلاقة بين الآباء والأبناء إذا اتّسعت الهوة الثقافية والمعرفية بين الآباء والأبناء، خصوصاً في هذا العصر، الذي تسارعت فيه المستجدات، ووسائل التواصل الاجتماعي، فأصبح الطفل يتعامل مع الأجهزة بمهارةٍ تفوق الكبار في بعض الأوقات.

كلنا كنا يوما نمتلك صفات ومواصفات الشباب، طاقاتهم ونزق أحلامهم، كنا قد أعطينا للزمن ظهر الأمان، وانغمرنا في الحياة بمباهجها وأفراحها، لم نكن نرى في الأفق غيوم الأحزان تحجب شموس الفرح، التي غمرت شطرا من عمرنا، ثم دخلنا في منطقة الحياة الجادة بكل ما فيها من أفراح وأتراح، وهي سنة كونية، كل المخلوقات تمر بهذه الأطوار، حتى تصل إلى مرحلة الضمور والانحلال، أو كما يقول المثل المكي: «موس يجري على كل الرؤوس»!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store