Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

الأدب والشباب الثائر.. في لبنان والعراق والجزائر!

إضاءة

A A
يشكك الكثيرون في نقاء الشباب الثائر في لبنان وفي العراق وفي الجزائر وفي السودان، بحيث يحيلهم جميعًا إلى مجموعات عملية لصالح أعداء الوطن! والحق أن هذه التهم لم تعد تنطلي الآن على أحد.. ففي لبنان ثورة حقيقية على الطائفية، من أجل وطن جميل، وفي العراق ضيق خانق من حشد المذهبية، يُعبِّر عنه الشباب بانتفاضة تلو أخرى ضد الفساد، وهكذا الحال في الجزائر مثلما كان في السودان!

إنهم أبناء وأحفاد الوطنيين المخلصين الأحرار، تلك السلالة التي لن تنقطع ما بقيت الأوطان!

يقول الأديب السوداني الراحل الطيب صالح: آه! أي وطن رائع يمكن أن يكون هذا الوطن لو صدق العزم وطابت النفوس وقل الكلام وزاد العمل!

ويقول الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش: ما هو الوطن؟! ليس سؤالا تجيب عليه وتمضي، إنه حياتك وقضيتك معا!

ويقول الأديب الفلسطيني غسان كنفاني: والوطن ليس شرطًا أن يكون أرضًا كبيرة، فقد يكون مساحة صغيرة جدًا حدودها كتفين!

كنت أقرأ في جبران خليل جبران عندما وصلت لنداءاته الجميلة للبنان:

يا أيّهذا الوطن المفدى

تلق بشرًا وتملّ السعدا..

لم يرجع العيد مريبًا

إنّما أراب قوم منك ضلوا القصدا..

يا عيد ذكّر من تَناسى أنّنا

لم نك من آبقة العبدى..

كنا على الأصفاد أحرارًا

سوى أنّ الرزايا ألزمتنا حدا..

كنا نجيش من وراء عجزنا

كمتوالي الماء لاقى سدا..

حتى تدفقنا إلى غايتنا

تدفق الآتي أو أشدا..

وكلّ شعب كاسر قيوده

بالحق ما اعتدى ولا تعدّى..

فلم نكن إلا كرامًا ظُلموا

فاستنصفوا ولم نطش فنردى..

إنّي أحس في الصدور حرجًا

يقيمها وفي الزفير صهدا..

إيّاكم الفتنة فهي لو فشت

في أجمات الأسد تُفني الأسدا..

أما رأيتم صدأ السيف وقد

غال الفرند ثمّ نال الغمدا..

فلا تفرقوا ولا تنازعوا

أعداؤنا شوس وليسوا رمدا..

أخاف أن نمكنكم منّا بما

يقضي لهم ثأرا ويشفي حقدا..

أو أن نقيم حججًا دوامغًا

لهم علينا فنجيء إدا..

قد زعموا الشورى لنا مفسدة

على صلاحها أقالوا جدا..

وهل أزلنا مستبدًا واحدًا

عنا كدعواهم لنستبدا..

دعاة الاستثئار إن لم تنتهوا

وترعووا ساء المصير جدا..

بصحة الشورى نصح

كلنا فإن أربنا قتلتنا عمدا..

في كل شعب كثرت أجناسه

لا شيء كالقسط يصون العقد..

تشاركوا في الحكم واختاروا له

خيار كلّ ملة يستدا

إنّ السراج للذي جاوره

أجلى من النجم سنى وأهدى!

وعن علم لبنان يقول جبران: إن القلب بعواطفه المتشعبة، يماثل الأرزة بأغصانها المتشعبة، يماثل الأرزة بأغصانها المتفرقة، فإذا ما فقدت شجرة الأرز غصنًا قويًا تتألم، ولكنها لا تموت، بل تحول قواها الحيوية إلى الغصن المجاور لينمو ويتعالى، ويملأ بفروعه مكان الغصن المقطوع!

ويمضي قائلاً: ويل لأمة تنصرف عن الدين إلى المذهب، وعن الحقل إلى الزقاق، وعن الحكمة إلى المنطق.. ويل لأمة مغلوبة تحسب الزركشة في غالبيتها كمالاً، والقبح فيها جمالاً، ويل لأمة تكره الضيم في منامها، وتخنع إليه في يقظتها، ويل لأمة لا ترفع صوتها إلا إذا سارت وراء النعش، ولا تفاخر إلا إذا وقفت في مقبرة، ولا تتمرد إلا وعنقها بين السيف والنطع، ويل لأمة سياستها ثعلبة، وفلسفتها شعوذة، ويل لأمة تقابل كل فاتح بالتطبيل والتزمير، ثم تشيعه بالفحيح والصفير، لتقابل فاتحًا آخر بالتزمير والتطبيل، ويل لأمة عاقلها أبكم، وقويها أعمى، ويل لأمة كل قبيلة فيها أمة!

عرجت إلى الشاعر العراقي عبدالوهاب البياتي فسمعته يقول:

أيتها العذراء.. هزِّي بجذع النخلة الفرعاء.. تساقطُ الأشياء.. تنفجر الشموس والأقمار.. يكتسح الطوفان هذا العار.

ثم يقول: لمن تغني هذه الجنادب؟ لمن تضيء هذه الكواكب؟ لمن تدق هذه الأجراس؟ وأين يمضي الناس؟.

وصلت إلى الجزائر.. إلى مالك حداد وعصر الاحترام الذي بشر به وأراه يقترب.. يقول: إنه العصر الذي تتخلص فيه الإنسانية من الطغيان وتتحول كلمة بطل إلى كلمة إنسان.. لم تكن الأشجار تواقة في يوم من الأيام لتنتهي حاضنات للبنادق محبرتك هي النبع.. هي الإنسان كله!

إن مهمة الشاعر كما حددها مالك حداد هي أن يقضي على الشقاء، وأن علينا أن نثأر لهذه الغابات التي لم تهيئها الحياة لتكون سواعد للبنادق.. ولقد خلقت لأتحدث إلى البنفسج الهادئ.. ولقد نسجت لحنًا راقصًا فوق قميص من الأزاهير.. غير أني رأيت هذا الفلاح يصبح قاطع طريق.. حين كان يحب زوجته كما كان يحب وطنه.

إن الليل مهما يكن ثقيلاً لم يمنع العنادل من أن تغني، وما من قوة في العالم أوتيت من المحبة للحرية والدفاع عنها مثلما أوتينا نحن.. لقد غرفنا واحدة من مذلات الإنسانية، أعني الخوف، فحدث أننا كنا ننتظر ساعة الفجر كما ينتظر الانسان ساعة أجله، فنحن إذن كنا أبناء الخوف، ولأننا نشأنا في أحضان الخوف فقد عشقنا الحرية.. إن صياد الطيور لا يحب العنادل كما أنه لا يحب النسور.

الحرية هي أن يعانق الإنسان أمه حين يريد، وأن يصنع المهد لأولاده حيث يشاء، وأن يتجول في مدينته حين يحلو له ذلك، وأن يهتز نشوة أمام المحراث، وأن يقول للآخر: إني لا أشاركك الرأي بهذا الأمر.. والحرية هي أن يمسك الكاتب بقلمه وورقته، وأن يودع الناشر مخطوطة لائقة، وأن يكتب في الجريدة المقال اللائق، وأن يكون حرًا في توكيد آرائه، وأن يحترم آراء الآخرين، فالحريد بالنتيجة هي حق الإنسان في أن يتمتع بالنية الحسنة.

وعن الغد الجديد والأجيال الطالعة يقول مالك حداد: وطني هو الإنسان.. سنبدع تقاويم جديدة للزمن، سنصب الحياة كلمات في توابيت رفاقنا.. سنجفف دموعنا بأكف فقيرة.. وسنقول لأولادنا الذين ذاقوا اليتم ألف مرة.. ستنجبون أطفالاً يعرفون آباءهم.. أطفالاً يستطيعون أن يقولوا وطني هو الإنسان.

وعن الشقاء الجزائري.. يا لجلال الشقاء! إنه يعد أناشيد الغد المترع بالغناء.. ما أشد غبطة الموتى بالهتافات المقبلة.. إنهم يزرعون أغانيهم فوق البيوت المحترقة!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store