Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
خالد مساعد الزهراني

دموع (طبيب)..!

A A
* على الخاص تردني الكثير من الرسائل كروتين يومي معتاد، فيما تظل هنالك عينة من الرسائل، التي تستوقفني كطارق يدق بإلحاح على باب (الحرف)، بألا تتجاوزها دون أن تُسجل ما خرجت به من انطباع عنها، ذلك الانطباع الذي يجنح نحو ضرورة الكتابة كواجب (إنساني)، بقدر ما يضع في حسبانه معطيات من المهم ألا يغفلها الكاتب، فإنها في ذات الاتجاه تبحث عن أن يجد أولئك (المتعبون) حرفًا يجدون فيه صوتهم.

* توطئة رأيت أن من المهم أن أستهل بها مقال اليوم، الذي أتناول فيه رسالة أحد أطباء الأسنان العاطلين، تلك الرسالة التي جاءت كبذرة تعب رُميت في ثرى الحزن، وسقيت بماء الإحباط، فأثمرت رسالة (بذاك الكبر)، موجزها، وتفصيلها بقايا حطام شاب كان يُمني نفسه بمستقبل طبيب، فأصبح بسبب البطالة عالة على والده المعلم المتقاعد المديون المستأجر -رويدكم فذلك ليس اسمه الرباعي-، ولكنه واقع حياته، وأم منفصلة تتعهده دوماً بذات السؤال (أنت بخير)، وفي عينيها دمعة أم حائرة على مصير ابن طبيب (أد الدنيا)، ولكنه عاطل.

* سبعة وعشرون عاماً، والباب الذي كان يُنتظر أن يُفتح يوماً ما على حديقة غناء، فُتح على أرض جرداء، وقيض، وفراغ، سبع سنوات من مكابدة مراجع الطب، وهَم ملاحقة الـA، رغم ضيق ذات اليد، وظروف طالب مع كل شدة اعتاد أن يُطل من شُرفة: بعد التخرج -إن شاء الله- تزين العلوم يا دكتور.

* كان موعد لبس روب التخرج موعداً منتظراً، في ذلك اليوم حُطت أرتال التعب، ولم يكن في الحسبان أن تلك النهاية لم تكن سوى بداية مشوار آخر مع تعب جديد أشد وطأة، وأوقع ألماً، تعب أحال صورة ذلك الشاب الطموح الذي كان مضرب مثل داخل الأسرة إلى موضع لأخذ العبرة، فماذا عسى أن يُفضي إليه ذلك الحال، سوى إلى دهاليز من التعب النفسي، والاكتئاب، ومجافاة الجفون للذة النوم.

* طبيب عاطل، بجيبٍ خالٍ، يموت ألف مرة، ووالده (المتقاعد) يتعهده بمئة أو مئتين، يُلح عليه بها، فيأخذها مرة، ويرفضها مرات، كيف له أن يرفع سقف أحلامه بزوجة، وبيت، وأبناء، وسيارة تعتق سيارته العتيقة، التي حالها من حاله، تتضامن معه مرة، وتخذله مرات، ووقت رتيب، لطبيب عاطل دخل في (تِيه) البطالة، الله وحده العالم متى سيُكتب له الخلاص منه.

* «لقد أصبحت أخاف على نفسي من نفسي» هكذا ختم طبيب الأسنان العاطل رسالته، التي تنفس هذا المقال من رئتها؛ ليخرج برجاء أن حلولاً عاجلةً، وعملية، تُفيد من هذا الطبيب العاطل، الذي يشاركه ذات الهم، وذات الدموع (العزيزة) كل عاطل أفضى به: «من طلب العلا، سهر الليالي» إلى تيه البطالة، فما لهذا أعدهم الوطن، وعلمي، وسلامتكم.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store