Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

حسن شلحة.. العروبة النقية في وجه الطائفية!

A A
كان أزهريًّا وأمميًّا وقوميًّا وناصريًّا في آنٍ واحد، يكره الطائفية، ويمقت المذهبية، كما علَّمه الراحل مفتي لبنان الشهيد حسن خالد.. يمضي مُبشِّراً بوحدةٍ عربية في وجه أطماع الأمم الأخرى، قائداً لمظاهرةٍ تلو الأخرى في شوارع بيروت!

كنت صبياً عندما جاء لقريتي «الرملة» من لبنان، وتحديداً من «بعلبك» لخطبة شقيقتي. أيَّامها، كان يحلو للبعض الخلط بين لبنان والفوضوية، ومن ثم فقد رفضت أمي! وبين الناصرية والاشتراكية والماركسية، وكان أبي يُحب السادات حبًّا جمًّا، ومِن ثم فقد رفض أبي!

وكان ما كان، وتمكَّن حسن من خطف قلب أمي وأبي، منتزعاً موافقتهما على إتمام الزواج والسفر بعروسه إلى لبنان. وعقب الزواج مباشرةً، دخل لبنان في الحرب الأهلية، التي لم تُغيِّره، مُحبًّا لبلادهِ وأمته، ومنادياً بنبذ الطائفية!

انحاز حسن شلحة للمقاومة الفلسطينية، وظل يدعمها ويُساندها مع جموع اللبنانيين الذين اصطفوا في الجبهة المقاومة لإسرائيل.ثم جاء اتفاق الطائف عام 1989 حيث بداية النهاية للاقتتال، بعدها بسنوات زرتُ لبنان، وجاء أصدقاء حسن شلحة من بيروت وطرابلس وصيدا والجنوب للتحية والسلام. والحق أنني لم أعرف حينها السنِّي مِن الشيعي من الماروني من الدرزي! وفور خروجهم رحتُ أسأل عنهم! كان الحديث عربياً ولبنانياً خالياً من كل شائبةٍ طائفية.زرتُ جنوب لبنان، في مهمة عمل، وهناك تنافست عائلات أصدقائه على استضافتي، حيث كان موقف حسن شلحة الواضح من رفض الطائفية هو القاسم المشترك في بيوت ومكاتب حسن صبرا، ومحمد عزالدين، وعمر زهير.

وحين زرتُ طرابلس تكرَّر نفس المشهد ونفس الحديث عن عروبة حسن، حيث الدكتور نبيل فتال والمفتي مالك الشعار والأستاذين طارق دملج وعمر تدمري. وفي صيدا كان مصطفى وأسامة سعد قد استضافاني قبل الأساتذة نبيل الراعي، ومحمد بعاصيري. لقد ظل بيته في بيروت أشبه بخلية نحل، أو غرفة إطفاء لنار المذهبية المقيتة، فتارةً يتصل به سمير فرنجية، وأخرى يسارع فارس سعيد للقائه، وفي المساء، يتصل عليه أصدقائه من فريق 8 آذار، طالبين اللقاء وعقد جلسة نقاش.

شيئاً فشيئاً، ومع ازدياد التوغل الإيراني في لبنان، راح حسن شلحة يُحذِّر ويُنبِّه، دون أن يُسيء للمذهب! يمضي متفرداً وعفيفاً وحراً، كما ينبغي أن يكون الرجال، ومرتفعاً وسامقاً ومترفّعاً، كما ينبغي أن تكون الجبال!

ذات مساء، وحين كان يُوصيني بنشر خبر لقائه برئيس الوزراء حينها تمام سلام، وتأكيد الأخير على أهمية وحدة واستقلال لبنان، استشعرتُ أنه يُودّعني! بعدها بسويعات مات حسن شلحة، فبكته «الرملة»، ومن هول الصدمة أغلقت فاها، وهي تنعي من اعتبرته ابنها وفتاها.. غادرت جدة إلى بيروت.. وفي الصباح وفيما وقف الأستاذ صلاح سلام رئيس تحرير «اللواء» لاستقبال المعزين في صاحب القلم العروبي الحر، كان نقيب الصحفيين إلياس عون، ينعى حسن شلحة قائلاً: لقد خانه قلبه وسقط مضرجاً بجهاده في سبيل حرية لبنان.. وكان القاضي خلدون عريمط يناجي حسن: نم قرير العين، عروبتك ستنتصر بإذن الله، وبهمّةِ الرجال القابضين على جمر القضية، ولسوف تخسر كل المشاريع المذهبية والطائفية والعرقية.. وفي المساء، شاهدتُ لبنان الذي تمنَّاه حسن في سرادق العزاء!

لقد جمع في مماته بين الفريقين المتحاربين ٨ آذار ويُمثِّله النائب آلان عون، و١٤ آذار ويمثله الوزير مروان حمادة.. المفتي عبداللطيف دريان يجلس بجوار المرجع الشيعي علي الأمين، والدرزي العميد ناجي ملاعب يتذكَّر مواقف حسن هو والوزير الشيعي غازي زعيتر، ووفد المطارنة الموارنة والأرثوذكس يأتي مبكراً. لقد خلع الساسة والإعلاميون اللبنانيون أسمالهم وانتماءاتهم الحزبية قبل الدخول للعزاء في حسن شلحة، الذي تم ترشيحه للتوزير في حكومة الحريري الأولى، قبل أن تواجههم معضلة «على أي فريق حزبي يحسبونه»؟!.

كنتُ أُتابع مظاهرات رفض الطائفية وسطوة المذهبية في بيروت وطرابلس وصيدا وبعلبك، وأنا أتذكَّر سرادق العزاء! كان الشبان يهتفون، وكنت أُردِّد: أوّاه يا حسن! نم مطمئن! لن يبق في لبنان سوى الشعب، يشتاق للألفة وللاستقلال رغم المحن.. نم في رياضك واطمئن.. ها هو الشعب يهتف في العلن! تباً لوجه الطائفية العفن!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store