الإبدَاع كَلِمَةٌ جَذَّابَة بَرَّاقَة، تَحمل فِي دَاخلهَا مُوسيقَى الثَّنَاء، ونَغمَات التَّميُّز والتَّجدُّد..!
ولَن أَتحدَّث هُنَا عَن تَعريف الإبدَاع، لأنَّه مَليء بالتَّعريفَات المُتعدِّدة والمُختَلِفَة، وإنْ كَانَت كُلّ طُرق التَّعريفَات؛ تُؤدِّي إلَى رُومَا الإبدَاع..!
اليَوم سأَتحدَّث عَن أَحَد القَوَانين المُهمَّة فِي الإبدَاع، وهو قَانُون «الوَفرَة». هَذا القَانُون -باختِصَار- يُخبرنَا أنَّ الإنسَان؛ إذَا أَرَاد أَنْ يَحصل عَلَى أَفكَارٍ مُميَّزة، فعَليهِ أَنْ يَأتي بأفكَارٍ كَثيرَة، يَجعلهَا تَتَوَالَد مِن بَعضها، لأنَّ التَّفكِير المُستَمر فِي قَضيّةٍ مَا، يُولِّد مَزيداً مِن الأَفكَار حَولها، كَمَا أَنَّ النَّوم يَجلب النَّوم، والجيِّد يَجلب الجيِّد، والمَال يَجلب المَال..!
لقَد خَدعونَا بقَولِهم: «الكَيف لَا الكَم»، ولَكن قَانُون الوَفرَة فِي الإبدَاع؛ يُؤكِّد لَنَا عَكس ذَلك، حَيثُ يَقول: إنَّ الكَمَّ يُؤدِّي إلَى الكَيف، ولَا يُمكن أَنْ يَصل إلَى الجَودة؛ إلَّا بَعد أَنْ تَتَرَاكَم الأفكَار، ثُمَّ تُغربلهَا، وتَختَار مِنهَا مَا تَشَاء..!
إنَّ الذين يَعمَلون فِي حقُول العَصف الذِّهنِي، يُدركون أَنَّ حصّة العَصف؛ يَجب أَنْ تُسجَّل فِيهَا كُلّ الأفكَار، التي تَخطُر عَلَى بَال أَصحَاب الجَلسَة، سَوَاء كَانَت هَذه الأَفكَار جَيِّدة، أَو رَديئَة، لَطيفَة أَو سَخيفَة، فالمُهم هُنَا هو تَوليد الأفكَار، بأَكبَر قَدْرٍ مُمكِن، وفِي المَرحَلَة الثَّانية مِن جَلسَاتِ العَصف، يَتم الفَرز والتَّعدِيل، والحَذف والإضَافَة..!
حَسنًا.. مَاذَا بَقي؟!
بَقي القَول: يَا قَوم، إنَّني أتَّبعُ طَريقة جَيِّدة فِي التَّعَامُل مَع الأَفكَار، حَيثُ أُسجِّل كُلّ مَا يَرد فِي ذِهني؛ بدَفترٍ خَاص، وبَعد فَترَة، أَقوم بمُحَاكمةِ الأفكَار، وتَنمية مَا يَستَحق التَّنمية، وإضَافَة مَا يَستَحقُ الإضَافة، واستبَعَاد مَا يَستَحَق الاستبعَاد..!!