Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

يرفضون الإملاءات الخارجية.. فليقبلوا بالداخلية!

إضاءة

A A
بعزةٍ وإباء وشمم، ترفض أنظمة عربية التدخلات الخارجية، رغم أنها تستمد وجودها بفضل أو بفعل هذه التدخلات. وتقف هذه الأنظمة التي تهدر جماهير شعبها الآن في شوارع بيروت وبغداد والجزائر، مؤكدة ضرورة رفض الإملاءات الخارجية! فيما تنطلق صحفها وقنواتها مُذكِّرة بقِيَم العزّة والكرامة التي تأبى مثل هذه التدخلات والإملاءات الخارجية، مناشدة الجماهير عدم الانسياق وراء هذه الدعايات المغرضة، والتوجهات المريضة! وسرعان ما تجتمع البرلمانات مصدرة البيان تلو الآخر، للتنديد بهذه الإملاءات التي تحمل في ظاهرها الرحمة، وفي باطنها العذاب!.

وطالما كان الأمر كذلك، فلماذا لا تستمع هذه الأنظمة، للتدخلات والإملاءات الداخلية؟!.

إن أحداً عاقلاً لا يمكن أن يرضى بأن تتحكَّم في مستقبل ومصير بلاده دولة أخرى مهما كانت قوتها وجبروتها، كما لا يقبل أن يكون الإصلاح على هوى الآخرين الذين يُبدِّلون رأيهم في اليوم الواحد أكثر من مرة، لكن -وفي نفس الوقت- لماذا لا تستمع هذه الأنظمة لمطالب بل لصرخات الإصلاح التي استمرت سنوات وسنوات دون أن يتجاوب معها رئيس أو حكومة أو وزارة أو حزب؟!.

الأكثر إيلاماً أن تصطنع هذه الأنظمة والحكومات أو تُشكِّل جماهير أخرى غير جموع الشعب، بحيثُ إذا طالب الشعب بالحرية، جاءوا له بشعبٍ آخر يقول: لا نريدها لأننا غير مُؤهَّلين لها!، وإذا طالبت الجماهير بالديمقراطية، خرجت جماهير موازية تقول: نكرهها!، فإذا قال الشعب في لبنان لا نُريد الطائفية، خرج حسن نصر الله،على سبيل المثال، ليقول: إن مثل هذه المطالبة لا تحظى بإجماع شعبي!، وإذا قال الشعب في العراق: سئمنا من فساد المسؤولين والجهات والهيئات الحكومية، خرج قيس الخزعلي زعيم «عصائب الحق» في العراق، ليُندِّد بمطالبة أمريكا بإجراء انتخابات مبكرة!.

تخيَّل معي لو أن الشعب العراقي خرج في مظاهرة عارمة، ضد التدخلات والإملاءات الأمريكية، ماذا سيكون رد فعل النظام والحكومة العراقية؟!، بالتأكيد ستمنعها، وتعتذر لواشنطن، مُؤكِّدة رفضها التام للإساءة للعلاقات الوطيدة، والتي تُحرِّكها فئة أو قلة مندسَّة!، وتخيَّل معي لو أن الشعب اللبناني خرج في مظاهرة تلو أخرى ضد التدخلات الإيرانية، ماذا سيكون رد فعل الحكومة وحزب نصر الله وحركة أمل وغيرها؟!، بالتأكيد سيتصدَّون لها، ويُشوِّهون أهدافها، مُؤكِّدين أن هناك أصابع «خارجية» أخرى تُحرِّكها، وتعبث بها وتُخرجها عن إطارها!، والحال نفسه في الجزائر، إذا ثار شعبها ضد التدخلات الفرنسية.

هكذا كانوا ومازالوا.. يُحبّون التدخلات الخارجية، بل ويسعون إليها، ويتمحَّكون فيها طالما لم تمسّهم، ويمقتونها ويُحذِّرون منها، إذا اقتربت منهم، فهي في الحالة الأولى تعاون وتنسيق لصالح الشعبين، وهي في الحالة الثانية، استهداف مغرض ورغبة دفينة في إسقاط الوطن!.

ومع توالي إبداعات الشعوب الثائرة، التي تستفيد بالتأكيد مما سبقها في التعبير عن مطالبها، وتفويت الفرصة على مَن يتهمها بالانحراف عن أهدافها، وباستخدام العنف، لجأت الأنظمة الرافضة لسماع أصوات الشعوب إلى إبداعات مماثلة!، من ذلك أن يخرج كل القادة في لبنان ليرفعوا شعار: «كلّن يعني كلّن»، باعتبار أنهم ليسوا المعنيين أو المستهدفين من الهتاف!، وأن يخرج القادة في العراق لمناشدة المسؤولين الحكوميين سماع صوت الشعب!، وأن يُعلن القادة في الجزائر تمسّكهم بمطالب الشعب، ولكن بعد إجراء الانتخابات في موعدها، حتى لا يتم إجهاض مطالب الشارع!.

لقد كان من اللافت كذلك، أن تخرج بيانات وعبارات الرفض العراقي التام للتدخلات الأجنبية صبيحة زيارة قائد الحرس الإيراني لبغداد، بل واستقبال المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني لمبعوثة الأمم المتحدة وموافقته على خطتها!.

ارجع للأرشيف في أي دولة من تلك الدول، وسترى العجب العجاب!، برلمانات وصحف وقنوات استغرقت في الترحيب بالتدخلات، وأخرى بالغت في إبراز أهمية التعاون والتنسيق في كل صغيرة وكبيرة، إنها ذات البرلمانات والصحف والقنوات التي تؤكد الآن رفضها للتدخلات، وتصفها بالإملاءات التي يرفضها ويأباها الشعب.. والحق أن الشعب لم يُؤخذ رأيه لا في الترحيب ولا في الرفض، والنتيجة ما نراه الآن في الشوارع!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store