Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
م.سعيد الفرحة الغامدي

هيبة أمريكا.. إلى أين؟

A A
تراجُع الدور الأمريكي وصعود الصين والهند وعودة روسيا بعد تفكك الاتحاد السوفييتي يُلقي بظلال من الشك على سياسة أمريكا الخارجية ومصداقية التحالفات التي التزمت بها خلال النصف الثاني من القرن العشرين الذي وُصف بالقرن الأمريكي PAX AMERICANA بعد تراجع الإمبراطورية الإنجليزية وتسليم مشعل الريادة والقيادة للحليف الضامن عبر المتوسط الذي هب لنجدة بريطانيا وأوروبا مرتين في الحربين الأولى والثانية في النصف الأول من القرن العشرين. وقد تسلمت الولايات المتحدة الأمريكية المسؤولية والقيادة من بريطانيا العظمى وأحكمت قبضتها عليها عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا. تفوقت وتسارعت طموحاتها التنموية على كل المستويات. فتحت باب هجرة العقول والمبدعين من أوروبا التي أضحت تحت حطام الحرب ووطأة البطالة والفقر وهموم إعادة البناء. قدمت أمريكا الدعم المادي -المارشل بلان- لإنقاذ أوروبا وإعادة البناء. استفاد من المارشل بلان الحلفاء والخصوم الذين هُزموا في الحرب ألمانيا وإيطاليا على وجه الخصوص. كانت أمريكا قاسية في الحرب، كريمة رحيمة بعد الحرب مع خصومها من أجل أهداف بعيدة المدى بإنهاء الحروب وتحقيق السلام العالمي بعد أن صنعت القنبلة النووية واستخدمتها وفرضت هيمنتها. قبل نهاية الحرب دعا الرئيس روزفلت لمؤتمر سان فرانسيسكو الذي نتج عنه إبرام ميثاق الأمم المتحدة في 26 حزيران /يونيو 1945م وتلاه تأسيس الأمم المتحدة في 24 أكتوبر 1945م ومجلس الأمن وإعادة هيكلة وتشكيل المنظمات الدولية والبنك الدولي ونظام بريتون وودز المالي. وبعد عشر سنوات تقريبًا تحقق الكثير من الإنجازات العلمية من خلال البحوث والتجارب توِّجت بغزو الفضاء وابتكارات متعددة الاستخدامات والوسائل تم توظيفها للنهوض بتطوير الاتصالات وصناعات النقل بكل أنواعها البرية والبحرية والجوية، وأبرزت الكثير من فوائد ووعود الثورة الصناعية الأولى التي تأجل تحقيقها بسبب الحروب واستنزاف الموارد لتمويلها. كما أن الولايات المتحدة الأمريكية قادت موجة العولمة التي اجتاحت العالم في الربع الأخير من القرن العشرين مستفيدة من الثورة التقنية والعصر الرقمي DIGITAL AGE الذي أحدث تغييراً عميقًا وجوهريًا على حياة الإنسان ووسائل الاستخدامات بفضل تقنية المعلومات وصناعة الحاسوب والإنترنت والجوال الذي أصبح رفيق من لا رفيق له بل وأصبح لاغنى عنه للتجوال والتعلم والبحث السريع عن المعلومات في كل مجالات المعرفة، وأصبح العالم بكل تضاريسه وتفاصيله الجغرافية بين يدي المستخدم يصول ويجول أينما كان والبث بالأقمار الصناعية بين يديه يسأل ويجيب..، ويرسل ويتلقى الرد في ثوانٍ أينما كان على وجه الأرض. كل ذلك حصل وأمريكا في المقدمة تبدع وتقود وتمول وتتفوق على منافسيها وخصومها بيسر وسهولة.

من بداية القرن الحادي والعشرين اهتزت الصورة وارتبكت المفاهيم وظهر تيار الانعزالية من جهة والعنصرية من جهة أخرى زعماً بأن الحماية تكمن في ذلكما التيارين وخانهم فهم التاريخ الذي يثبت بأن الانفتاح هو من أوصل الولايات المتحدة الأمريكية إلى ما هي عليه من تفوق ورخاء وازدهار وليس الانعزالية والانكفاء على الداخل. كما أن العولمة التي شاركت أمريكا في صناعتها مبنية على تبادل المنافع وثقة التحالفات والشركات المختلطة عابرة الحدود وإدارتها بالقوى الناعمة وليس بالعصا الغليظة واستفزاز الأصدقاء والأعداء كما تلوح بذلك الإدارة الحالية. ودول العالم مجتمعة يهمها ما يحصل في أمريكا وليس من صالح أحد بما في ذلك روسيا والصين والدول الصاعدة الأخرى أن تتراجع أكبر دولة اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا عن دورها الإيجابي في إدارة شؤون العالم.. وهي بدون شك تتحمل عبئاً كبيراً ومطالبتها الدول الكبرى بالمشاركة وتحمل المسؤولية مطلب مستحق.

وعن السؤال: هيبة أمريكا إلى أين؟، يصح القول إن من استشراف اللحظة الراهنة قد يتسع الشرخ في المجتمع الأمريكي إذا نجح الحزب الديموقراطي في تنحية الرئيس ترامب بقوة القانون.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store