Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

التسامح والنقاء يُصحِّحان الأخطاء

الحبر الأصفر

A A
كُلَّمَا تَوغّلتُ فِي التَّسَامُح، اكتشفتُ إيجَابيَّاته الكَثيرَة، ولَعلَّ أَبرَز الإيجَابيَّات، هي أَنَّ التَّسَامُح يُحرِّرنَا مِن مَشَاكِل المَاضِي، ويَجعلنَا نُعيد النَّظَر فِيهَا، ونُصلِح مَا يُمكن إصلَاحه..!

وحَتَّى أُقرِّب المَقَال بالمِثَال، إليكُم القصَّة التَّالية:

للمُسَامَحَة أَشكَالٌ كَثيرَة، مِنهَا أَنْ يُسَامح الإنسَان مَن قَصَّروا فِي تَعليمهِ؛ وهو فِي المَرحَلَة الابتدَائيَّة. ولَازلتُ أَتذكَّر فِي طفُولتي، كَيف كَان مُعلِّمنَا مُهمِلًا فِي تَعليمهِ، ومُقصِّرًا فِي إعطَائِنَا الجُرعة الكَافية؛ مِن مَادتي الإملَاء والتَّعبير، لِذَلك نَشأنَا ضُعفَاء فِي هَاتين المَادتين..!

وعِندَمَا وَصلتُ إلَى المَرحَلَة المُتوسِّطة، كُنتُ أَمَام خيَارين، أَمَّا الخيَار الأوَّل، فهو أَنْ أتَّخذ المُعلِّم وتَقصيره عُذرًا، وأَستَمر فِي ضعفِي، وهَذا عُذر مَقبول، ولَكنَّه لَا يُفيد، وأَجد الآن كَثيرًا مِن زُملَائي المُغرِّدين؛ يُخطِئُون إملَائيًّا فِي تَغريدَاتهم، وحِينَ تَسألهم: لِمَاذَا هَذه الأَخطَاء؟، قَالوا: حَسبُنَا الله عَلَى مَن عَلَّمُونَا الإملَاء؛ فِي المَرحَلَة الابتدَائيَّة والمُتوسِّطَة، لأنَّهم لَم يُحسِنُوا تَعليمنَا. وهَكَذا هُم

يُبرِّرون المَشكِلَة، ويَشرَحون أَسبَابهَا، ولَكنَّهم لَا يُقدِّمون الحلُول..!

أمَّا الخيَار الثَّاني الذي كَان أَمَامي، فهو أَنْ أُسَامح المُعلِّم، الذي لَم يُحسن تَعليمي، وأَلتَمس لَه العُذر، وأَتحمَّل مَسؤوليّة تَعليم نَفسي، فقَد أَصبَحتُ –فِي ذَلك الحِين- فِي المَرحَلَة المُتوسِّطة والثَّانويَّة، وفِي تِلك المَرحَلَة، وَصلتُ سِنّ الرُّشد والنُّضج، وبَلغتُ التَّكليف، لِذَلك اختَرتُ الخيَار الثَّانِي، وعَلَّمتُ نَفسي، وصِرتُ أَقرَأ وأَقرَأ وأَكتُب، حَتَّى تَمكَّنتُ مِن الإملَاء والكِتَابَة، وصِرتُ كَاتِبًا، ولَم يَتوقَّف الأَمر عِند هَذا الحَدّ، بَل أَصبَحَت الكِتَابة مَصدرًا مِن مَصَادر الدَّخل الإضَافِي لِي، ولَن أَكذب إذَا قُلت: إنَّني جَنيتُ الكَثير والكَثير؛ مِن مُكَافَآت الصُّحف التي أَكتُب فِيهَا..!

حَسنًا.. مَاذَا بَقي؟!

بَقي القَول: لقَد وَجدتُ المُسَامَحة وتَعديل الخَطَأ؛ أَفضَل مِن التمَاس الأَعذَار، وابتِكَار الأَسبَاب واختِلَاق الذَّرَائِع؛ لتَبرير الوَضع الرَّاهِن. إنَّ مُسَامحة أَخطَاء المَاضي وتَشخِيصها، والاعترَاف بِهَا، هي أوّل خُطوَات الوصُول إلَى الصَّوَاب، أَمَّا الأَعذَار والتَّبريرَات فهي مُضرَّة، لأنَّها تَحرم الإنسَان مِن التَّعليم، وتَجعله يَتحدَّث عَن المُشكِلَة، ولَا يَبحَث عَن الحَل..!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store