Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

الحقيقة العلمية عن الهوية الشخصية

الحبر الأصفر

A A
أَجلِس وأُقَابِل وأَلتَقِي بأُنَاسٍ كَثيرين، وأُلَاحِظ فِي كَلَامهم كَثَافَة استخدَام عِبَارة: «أَنَا أَعرف نَفسي»، ولَا أَدري هَل هَذه العِبَارَة نَصًّا سَمَاويًّا؛ لَا يُمكن الخرُوج عَليه، أَمْ أَنَّها اجتهَاد شَخصي، وعَادَات بَنَاهَا الإنسَان حَول نَفسه، حَتَّى أَصبَح يَعيش دَاخل سجنهَا..؟!

الإجَابَة الأَقرَب، أَنَّ مَا يَعرفه الإنسَان عَن نَفسه، لَيس إلَّا عَادَات ومُمَارَسَات وسلُوكيَّات؛ تَبرمج الإنسَان عَليهَا، حَتَّى ظَنَّها «كَتَالُوجاً» أَصليًّا مُلتَصِقاً بِهِ، مِثل بَطَّاريَّات الآيفُون، التي تَأتي مُلتَصقَة ببَطْن الهَاتِف، أَو هي مِثل طُول الإنسَان؛ ولَون عَينيه وشَكل أَنفه، التي لَا يُمكن أَنْ تَتغيَّر، وحَتَّى هَذه الأَشيَاء، جَاءَت عَمليَّات التَّجميل، فأَدخَلَت عَليهَا التَّغيير..!

حَسنًا، بَعد هَذا دَعوني أقُول: إنَّ مَا يَعرفه الإنسَان عَن نَفسه، هو عَادَات وسلُوكيَّات رَسمها هو لنَفسهِ، وعَن نَفسه، ولَيسَت قَوَاعد صَلبَة لَا يُمكن زَحزحتهَا..!

لقَد شَاهَدتُ فِي حيَاتي أُنَاسًا؛ يَزعمون أنَّهم يَعرفون أَنفسهم، ومَع الزَّمَن اكتَشفوا أنَّهم لَا يَعرفون عَن أَنفسِهم؛ إلَّا بمقدَار مَا أَعرفه أَنَا عَن الفِيزيَاء النَّوويَّة..!

أَحَد أَصدقَائي كَان يَعتَقد أَنَّه لَا يُحب الرَّكض، وغَير مُتميِّز فِيهِ، ومَع الوَقت، أًصبَح مِن العَدَّائين الرَّاكضين الأَوَائِل؛ عَلَى مُستَوَى المَملكَة..!

أَكثَر مِن ذَلك، أَحَد لَاعبي الاتّحَاد المَعروفين، ذَهب إلَى النَّادي؛ مِن أَجل أَنْ يُسجِّل اسمه كمُحترف فِي كُرة الطَّائِرَة، وبَعد أيَّام اكتَشفوا أنَّه مِن اللَّاعبين المُميَّزين فِي كُرة القَدَم، وهو الآن اسم أَسَاسِي فِي قَائمة المُنتَخَب السّعودي..!

وفِي إحدَى الدَّورَات التي أُقدِّمها فِي فَنّ كِتَابة المَقَال، جَاءَتني فَتَاة خَجولَة وقَالت: «يَا أَحمَد أنَا سَجّلتُ فِي هَذه الدَّورَة، مَع أَنَّني أَعرف نَفسي، وأَعرف أنَّني لَن أَكون كَاتِبَة فِي يَومٍ مِن الأيَّام»، ومَا هِي إلَّا أَشهَر مِن التَّدريب، وقَد أَصبَحت الآن مُدوِّنَة مَعروفة، يُشَار إليهَا بالأَصَابع والعيُون..!

حَسنًا.. مَاذَا بَقي؟!

بَقي القَول: إنَّ مِن الجَرَائِم الكَبيرَة التي نَرتكبها فِي حَقِّ أَنفسنَا، هي أَنْ يَقول الإنسَان عَن ذَاته: «أَنَا أَعرف نَفسي»، لأنَّه بِذَلك يَقمع قُدرَاته، ويَسجن إمكَانيّاته دَاخل حدُود النَّظرَة؛ التي يَرسمها ظُلماً وعدوَاناً عَن نَفسهِ..!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store