Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
وائل مرزا

في مراجعة «العلوم الشرعية» (11): «النص» الشيعي.. وظاهرة قاسم سليماني

A A
على مدى عشر مقالات، كان حديثنا عن الإشكاليات الكامنة فيما أسماهُ (السُّنة) نصوصاً على مدى التاريخ، سواء كان ذلك يتعلق بتفسير أحداث التاريخ، كحروب الردة، أو علاقة ذلك التاريخ بعملية (التنصيص) التي تصاعدت مع القرن الثاني الهجري، وخاصةً فيما أصبحت (نصوصاً) فقهيةً وتفسيرية بات المسلمون السُّنة يعيشون على تفاصيلها وجزئياتها، بعيداً عن النص القرآني الأصيل.

لكن أحداث الواقع الراهن تفرض علينا الدخول في عرض الإشكالات الكبرى التي سادت في تاريخ (الشيعة) بهذا الخصوص، حتى قبل أن يبدأ قُرناؤهم السنة بتلك الممارسة.

من المفيد هنا، قبل الإحالة إلى تحليل عبد الجواد ياسين عن الموضوع، أن نُعيد ماذَكرهُ حين قال: «إننا لانَصدُرُ في [نقد مفردات العقل الشيعي] عن توجهات مذهبية، بمعنى أننا لانمارس نقدَ جناحٍ من جناحي العقل المسلم لحساب الجناح الآخر، وإنما نمارس نقد الجناحين معاً، لحِساب الإسلام».

فظاهرة قاسم سليماني، بصناعتِها السياسية من قبل الحكومة الإيرانية التي يُسيطر عليها رجال الدين، وبما اتكأت عليه قبل موته من (نصوص) شرعَنت ممارساته المناقضة جذرياً للمعاني القرآنية والإنسانية في المنطقة، تُبرزُ مثالاً فاقعاً تَدخلُ دلالاته بشكلٍ مباشر في موضوع هذه السلسلة. وهي تُظهر بشكلٍ جليّ، ليس فقط استمرارية الإشكالية التي نتحدثُ عنها إلى عصرِنا الراهن، بل والخطورة الشديدة الكامنة فيها حين يتعلق الأمر بنقض كل مافي الإسلام من مقاصدَ تضعُ كرامة الإنسان وقيمته فوق كل حساب.

يُراجعُ الكاتبُ المَراجعَ الأربعة الأساسية في الفقه الشيعي بأصوله وفروعه، وهي: «الكافي»، و»مَن لايَحضُرهُ الفقيه»، و»التهذيب»، و»كتاب الاستبصار»، التي يقول «الشيعة المتأخرون أنها... خلاصةٌ وافية لأربعمائة مُصنّف كتبها علماء الشيعة من فتاوى وأحاديث جعفر الصادق في عهده»، مع التذكير بأن «الكافي» يُضارع عند الشيعة كتاب البخاري عند السنة. ثم يُعلق قائلاً: «ومن المدهش حقاً عند مطالعة هذه الكتب -وهي تُصوِّرُ لنا ملامح النظرية الكاملة للإمامة كما تبلورت في صورتها النهائية- وجود هذا الكم الهائل من الأحاديث [أكثر من أربعين ألف حديث مجتمعةً] في تأويل القرآن، إلى الدرجة التي تُشعِرُك أحياناً بأن القرآن كلهُ لم يتنزّل إلا لإثبات إمامة عليٍ وأبنائه، والنعيِ على سِواهُم من المخالفين والمُنكِرين، وهو أمرٌ كافٍ بحدِّ ذاته للشك بأن هذه الأحاديث قد وُضِعت وَضعاً وصُنِّعت تَصنيعاً، لمواجهة الأحداث اللاحقة على اكتمال النص القرآني. تلك التي جعَلت من إمامة عليٍ وأبنائه قضيةً يدور حولَها جدلُ الإثباتِ والنفي، تارةً بالكُفر وتاراتٍ بالدماء»..

وإذا كان ثمةً ثقافةٌ كاملةٌ تعيش، محبوسةً بحقدٍ، في الماضي، وتنتجُ عن القناعة بـ(نصوصَ دينية)، وتعملُ انطلاقاً منها على قتل الحياة الإنسانية، وإهدار كل قيمةٍ لها في الحاضر والمستقبل، فإنها تتمثُل بشكلٍ واضحٍ في واقع إيران-السُّلطة اليوم، كما كان عليه الحال تماماً في واقع (داعش) إلى الماضي القريب.

وإن كان حالُ إيران-السلطة أكثر تعبيراً، لِجهةِ كونِها تُمثل (دولةً) بالعُرف المُعاصر، ولِجهةِ تلاعُبها، بشكلٍ لايكادُ يُصدّق، بما تعتبرهُ نصوصاً دينية، وذلك بغرض تشكيل إمبراطوريةٍ سياسيةٍ، تقوم على أشلاءِ ودماء وجماجم بشرٍ من جيرانها، المفارقةُ أن غالبيتهم العظمى مسلمون! كل هذا، دون حدٍ أدنى من الحياء بحيث تدّعي معه أن ما تقوم به يُمثّلُ طريقاً إلى تحرير القدس؟

يُراجعُ عبد الجواد ياسين بعض ماسُطِّرَ في تلك الكتب، ومع أن أي درجةٍ من العقل والمنطق تنفي إمكانية صواب التأويل الموجود فيها لآيات القرآن، إلا أننا نستطيع أن نتفهم بقراءتها مصدرَ هذا الجنون الأيديولوجي على الأقل.

يمكن للقارئ العودة للتفاصيل في كتاب (السلطة في الإسلام) للكاتب، لكننا ننقل هنا، لضيق المقام، بعض ما وصلَ إليه كُتّابُ الكتب المذكورة وغيرها. «فهم [أي الشيعة] أولو الأمر المقصودون [في آية طاعة أولي الأمر] والذين تَجبُ الطاعة لهم بعد الله ورسوله، وهي مقصورةٌ عليهم دون خَلق الله، ومِن هنا كان حَسَدُ الناس لهم، وكان هؤلاء الحاسدون لهم (وهم الغالبية العظمى من المسلمين..) هم المعنيين [بأنهم سيَعبدُون الجبت والطاغوت].. وهم أئمة الضلال.. والنعيُ على من خالفهم [يأتي] بأشد أوصاف الضلالة والتكفير.. [أما هم فإنهم] حبلُ الله والصادقون وصراط الله والهُداة والمذكورون في فاتحة الكتاب [وفي الآيات التي تُذكرُ فيها الأوصاف السابقة].. ثم إن المغفرة لمن تاب وآمن وعمل صالحاً لا تتحقق إلا بالاهتداء إلى وِلايتهم.. وكذلك فإن ولايتَهم من (الأمانة) التي ذكرها الله في كتابه [عن عجز السماوات والأرض عن حمل الأمانة].. وهي (النعيم) الوارد في آية {ولتُسألُنَّ يومئذٍ عن النعيم}، وسوف يُسأل الناس عن ولايتهم يوم القيامة.. بل إن هذه الولاية لمما بعث الله به الأنبياء وأقام عليه الحجج والأوصياء.. وأهم من ذلك.. أن هذه الولاية هي مما أخذ الله به العهد في آية الميثاق... وقد احتاجَ إليهم آدم، فإن الله لم يتُب عليه حتى تلقّى منه كلمات التوسّلَ بهم...».

قَصَدنَا استعمال مصطلح (إيران-السلطة) أعلاه تجنباً لتعميم أفعال من يحكمون إيران باسم الدين على شعبها بأسره، لكن ثمةَ ملايين يؤمنون بإسلامٍ فيه هذه الدرجة من تغييب العقل والمنطق، وأعداد كبيرة أخرى تستعمل هذا التزوير على أنه نصوص تفسيرٍ وفقهٍ وحديث، للتلاعب بمصائر الشعوب والدول ولتحقيق مصالح فردية وسياسية تتناقض مع كل مقصدٍ أصيل للقرآن.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store