Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

أنا وأنت من الملوك!

A A
لأن النعمة لا تُعرف قيمتها إلا بعد زوالها، كان جديرًا بمن ذاقها أن يعض عليها بالنواجذ، ويدافع عنها، مهما غلا ثمن البذل، ومهما عظُمَتِ التضحيات. هذا إذا ما تكلمنا عن نعمة واحدة، فكيف ونحن نتكلم عن نِعَم وآلاء لا حصر لها، وخيرات تترى، أمن وأمان، وعيش رغيد، وشعائر تؤدى دون حذر ولا مساءلة، ووئام وسلام بسطا رداءهما بامتداد الوطن، وبسطة في الدخل وسعة في الرزق؟! واطرح ما شئت من الأسئلة عن صنوف الرخاء والإخاء والأمان والعدل والنعيم والقِيَم، وكل ما يبهج الإنسان ويسعده ويوفر له حياة مستقرة، وعيشًا رغيدًا. دعونا ننطلق من مقولة عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما -كما في صحيح مسلم- عندما قال له رجل: ألسنا من فقراء المهاجرِين؟! قال له عبدالله: ألك بيت تسكنه؟ قال الرجل: نعم، قال: ألك امرأة تأوي إليها؟ قال: نعم، قال: أنت من الأغنياء. قال الرجل: ولي خادم يخدمني: قال: أنت من الملوك!». لَكُم أن تتخيلوا البيت الذي يعنيه عبدالله بن عمرو، والمرأة التي يقصدها، والخادم الذي يتصوره مقارَنةً ببيوت اليوم في فخامتها واتساعها وتعدد منافعها ونظافتها وقيمة محتوياتها، وبنساء اليوم في تنعُّمِهِنَّ وحُليهنَّ، وبخدم اليوم في نظافتهم وحرفيتهم، تجدوا الفارق كبيرًا، ومع هذا لا يُقدِّر البعض هذه النعم المتوالية وينسى أنه يعيش عيشة تُقارب عيشة (بعض) ملوك اليوم، وتفوق بكثير عيشة ملوك ما قبل العصر الحديث، ومع هذا يريد أن يفجر أمامَه، ويصل به الصلف وسوء التفكير للكفر بما بين يديه، وخذلان وطنه، والتصديق بما يدسه الأعداء من سموم في عسل الشعارات البراقة. تعالوا إلى هذه الأرقام التي أوردها المؤرخ عبدالعزيز العويد في مدونته على الشبكة نقلاً -كما يذكر- عن مقال قديم قرأه.. يقول: «إذا كان لديك بيت يؤويك وطعام ولباس فأنت أغنى من (٥٧%) من سكان العالم، وإذا كان لديك مال في جيبك فأنت ضمن (٨%) من أغنياء العالم، وإذا لم تتجرع خطر الحروب، ولم تعذَّب فأنت أفضل من (٥٠٠) مليون إنسان، وإذا كنت تنعم بالأمن فأنت أفضل من ثلاثة مليارات لا يعرفون الأمن». لنكتفِ فقط بالنقطتَين الأخيرتَين، ونتساءل: ألم يكفنا اللهُ الحروبَ وشرها، الخارجية منها والداخلية؟ إذن فأنا وأنت أفضل من (٥٠٠) مليون إنسان يعيشون أهوال الحروب وذعرها في هذا الكوكب المستعر، ألم يُنعم الله علينا بالأمن والأمان اللذين قلَّ مثيلهما؟ إذن فأنا وأنت أفضل من ثلاثة مليارات لا يعرفون الأمن، ولم يتذوقوا طعمه، ولم يأنسوا بظلاله وأفيائه. مؤكَّد أن الكثير منا لا يملك ما يملكه (بعض) ملوك اليوم، ولكن لديهم سيارات جيدة، ومنازل واسعة، ووسائل اتصال متطورة، وفرش ناعمة، وماء بارد زلال، وطعام شهي هنيء، وهذا ليس لدى ملوك الأمس، بل ربما يُقارب ما لدى (بعض) هؤلاء ما لدى (بعض) ملوك اليوم، وربما يفوق ما لدى البعض الآخر، ومن كان دخله محدودًا فربما عُدَّ -بمنطق الأمس القريب- غنيًّا. ألم يسمع هؤلاء بحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: «من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها»؟ أليسوا آمنين أمنًا لا مثيل له؟ أليس أكثرهم أصحاء، ومن كان منهم مريضًا فهناك المشافي والدواء؟ أليس عندهم قوت شهرهم وليس يومهم؟ ومع هذا فنحن لا نتكلم عن مجتمع ملائكي، فالقصور موجود، والدخل لدى البعض محدود، والخلل حاصل، لكنها لا تُشكل شيئًا في بحر الأمن والنعيم الذي نحظى جميعنا به، ومع هذا فالمناصحة -وفق أصولها- مطلوبة وليست مغيبة، والجميع يتقبلها ويرحب بها. ثم إنه ينبغي أن يُعلم أن هذا وغيره ما أتى إلا بفضل الواحد المنان، ثم بجعل قادة هذه البلاد الإسلامَ دستورها ومنهاجها منذ قيامها حتى هذه اللحظة -وسيظل بإذن الله- ثم بتكاتف أبنائها ودحرهم كل من ينوي بها شرًّا؛ حتى لا تصبح كغيرها من البلدان التي فقدت استقرارها، وفقد مواطنوها أمنهم وأمانهم، فاقتتلوا وتمزقوا وتشردوا، وضاع مستقبلهم بسبب مطاوَعتهم لأعداء أوطانهم.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store