Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

خطوات التسامح للإنسان المتصالح!

الحبر الأصفر

A A
أَدُور دَائِمًا حَول التَّسَامُح، وأُحَاول أَنْ أَتوَاصَل مَعه لَيلاً ونَهَاراً، حَتَّى فِي حَالة تَعثُّر الاتِّصَال، لأنَّ التَّسَامُح قَبل أَنْ يَكون قِيمَة وفَضيلَة، هو مَهَارة تَحتَاج إلَى لِيَاقةٍ وتَدريب، لِذَلك يُقسِّم عُلمَاء العِلَاج بالتَّسَامُح؛ خُطوَات هَذه الفَضيلَة إلَى مَرحَلتين:

أوَّلاً: مَرحلة الإعدَاد، ونَعنِي بِهَا إدرَاك الإنسَان لمَواجعهِ، التي أَصَابته بسَبَب غِيَاب التَّسَامُح، وهَذه مَسأَلة فِكريَّة بَين الإنسَان وبَين نَفسه، حِينَ يَجلِس ويُفكِّر بالأَضرَار التي تَكبَّدها، بسَبَب الغَضَب والحِقد، وارتفَاع شَهوة الانتقَام، التي يَدفنهَا فِي دَاخلهِ، نَحو مَن أَسَاؤوا إليهِ..!

كَمَا أَنَّ مَرحلَة الإعدَاد، تَكون باستحضَار الإنسَان وشعُوره بأنَّه ضَحيَّة، وأنَّه مَظلُوم، وأنَّه بتَجاهله للتَّسَامُح قَد أَضرّ بنَفسه، قَبل أَنْ يَضرّ غَيره، ويُدرك أَيضاً أَنَّ التَّسَامُح مِن شِيَم الأَقويَاء العُظمَاء، وفِي ذَلِك يَقول «غاندي»: (نَعم، أُسَامح لأنَّ الضُّعفَاء لَا يُسَامحون)، ومِن قَبله قَال الشَّاعِر «عنترة العبسي»:

لَا يَحملُ الحِقدَ مَن تَعلُو بِهِ الرُّتَبُ

ولَا يَنَال العُلَا مَن طَبعهِ الغَضَبُ!!

ثَانيًا: مَرحلة التَّنفيذ، وهي فِعل التَّسَامُح كخيَار استرَاتِيجي، ولَعلَّ هَذه مِن أَصعَب المَرَاحِل، وفِي ذَلك يَقول الأُستَاذ الدّكتور «إبراهيم الفقي» -رَحمه الله-: (التَّسَامُح شَيء يَتعلَّمه الإنسَان بسهُولَةٍ، ولَكن تَنفِيذ التَّسَامُح أَمرٌ صَعب). ولقَد صَدق شَيخنا «إبراهيم»، لأنَّ إرَادة التَّسَامُح هي مُفتَاح اللُّغز، الذي يَمنَحك القُدرَة عَلَى المُضي قُدمًا؛ فِي عَمليَّة التَّسَامُح..!

إنَّ التَّسَامُح يَحتَاج إلَى خُطوَات، وقَبلهَا «استفرَاد بالذَّات»، ويُستَحسَن أَنْ يَكون التَّسَامُح عَبر الكِتَابَة، لأنَّ الكِتَابَة تَجعَل الإنسَان فِي مُوَاجهةِ ذَاتهِ، بحَيثُ يَضع أَمَام عَينه الأَربَاح والخَسَائِر؛ النَّاتِجَة مِن اتِّخَاذ قَرَار المُسَامَحَة..!

كَمَا أَنَّ الكِتَابَة تَجعَل الإنسَان مُدرِكاً لحَجْم المُقَاوَمَة؛ التي تَصدُر مِن العَقل الرَّافِض للمُسَامَحَة، وإذَا أَدرَك الإنسَان هَذه المُقَاوَمَة، صَارَ مِن السّهُولَة التَّعَامُل مَعهَا..!

حَسنًا.. مَاذَا بَقي؟!

بَقَي القَول: دَعونَا نَختم هَذا المَقَال بعِبَارةٍ ذَهبيَّة، وَرَدَت فِي آخِر كِتَاب «التَّسَامُح أَعظَم عِلَاج عَلَى الإطلَاق»، للأستاذ «جيرالد جامبولسكي»، حَيثُ يَقول: (الوَقتُ لَيس مُبكِّراً عَلَى التَّسَامُح، كَمَا أَنَّه لَيس مُتأخِّراً للمُسَامِح)..!!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store