Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

أسامة نقلي بين العبقرية والمسؤولية!

A A
عبقرية المسؤول تتجلى في تعامله الإنساني، ليس فقط أداء مهامه الوظيفية بمهنية، فتلك من الضروريات الأساسية التي يجب أن يتحلى بها المسؤول أينما كان موقعه، وأياً ما كانت وظيفته، لذلك يمضي بعض المسؤولين دون أن يُرفع له ذكر، بل يتوه وسط ضباب النسيان، وربما أنه يحيل ذلك إلى انعدام الوفاء، وهذا الظن الذي يتحول إلى اعتقاد راسخ في عقله ليس حقيقياً بل لأنه لم يواجه ذاته بحقيقة علاقاته مع الآخرين عندما كان يتبوأ المنصب، وأنه جعل المنصب حاجزاً بينه وبين الآخرين، فعندما غادر المنصب لم يره أحد ولن يذكره أحد. لذلك تتجلى عبقرية المسؤول في عدم السماح للمنصب بأن يكون حاجزاً يمنع عنه علاقاته الإنسانية، هذه العبقرية لا تأتي من فراغ بل من الثقافة بجوار المهنية والمؤهلات العلمية؛ فالثقافة تزيل الحواجز والفوارق الطبقية والوظيفية والعمرية، توحد اللغة بينك وبين الآخرين، هذه العبقرية التي تجلت في كثير من المسؤولين مازالوا يحتلون قلوب الناس رغم مغادرتهم مناصبهم، وبعضهم غادر الحياة لكن ذكرهم العطر يتدفق في الأحاديث. أذكر أنموذجاً للعبقرية الإنسانية؛ الدكتور عبد العزيز خوجة وزير الثقافة والإعلام الأسبق السفير والشاعر والمثقف، كنت عندما أتصل به وهو في منصبه في ذلك الوقت يربكني برده الفوري على الهاتف لأني دائماً أكون في حالة استرخاء بأن سكرتيره أو مدير مكتبه سيرد على هاتفه، لكنه من أول رنة يجيب ويتجاوب، رأيته في معرض كتاب جدة وقف هاشاً باشاً يسلِّم بحفاوة أخجلتني. واليوم أكتب عن عبقرية أسامة نقلي الإنسانية، سفير خادم الحرمين الشريفين في جمهورية مصرالعربية، مندوب المملكة في جامعة الدول العربية، هذا الإنسان الذي بهرني بإنسانيته وثقافته.

عندما أرسلت الدعوة على هاتف مدير مكتبه الخلوق الأستاذ مازن نصار، كنت واثقة بأن دعوتي ستلقى في سلة نفايات الواتس، ولا أعلم لماذا ربما لمروري بتجربة سابقة لم تكن محرضة على رفع سقف التوقعات بحضور معالي السفير مناقشة روايتي «ممرات الريح»، حتى يوم الإثنين الماضي 13 يناير 2020م، استيقظت مبكراً على اتصال من مكتب معالي السفير يؤكد لي حضور معاليه، لحظتها فقط حلقت عصافير الفرح في قلبي، رغم ذلك مازالت هناك قناعة راسخة بأن حضوره سيكون بروتوكولياً وخاطفاً، ربما التجارب السابقة تمد ظلالها القاتمة على النفس وترهق العقل بالتفكير السلبي مع أن التجارب السابقة حدثت في أزمنة مختلفة وربما مع شخصيات لها مفهومها عن دورها الدبلوماسي المحدد بأطر سياسية تجمد تفاعله مع بقية الأطر الإنسانية والثقافية والوطنية مع مواطنيه بشكل خاص لأنه يتصور أنه ليس معنياً بإجابة كل دعوة أو حضور كل مناسبة بينما تجده في مناسبات أخرى أول الحاضرين.

نجاح الندوة في القاهرة ازداد تألقاً بحضور معالي السفير أسامة نقلي، الذي بدد بحضوره وعبقريته الإنسانية كل التجارب السابقة، أجفلت في البداية من انزعاجه وسط الحضور الكثيف من المثقفين والشعراء والنقاد والإعلاميين الذين منحوني وقتهم ومحبتهم بحضورهم البهي الذي احتشد في قاعة بابيليون في فندق انتركونتننتال في القاهرة.

انتابتني مشاعر متضاربة من الفرح والخوف من انزعاجه ومغادرته وقد تحلق حوله عدد من الحضور، لكنه تمكن من إضفاء مزيد من الألق والبهاء عندما وقف متحدثاً وسط الحضور المتحلق حوله عن أهمية القراءة وشرح منهجه القرائي، فهو يقرأ أربعة كتب في الشهر، بهرني، ما شاء الله قلت في نفسي، وأنه يبدأ بالاطلاع على الكتاب من أوله ووسطه وآخره يسبر قدرة الكاتب على النفس الطويل لأن بعض الكتاب يَجِدُّ في أول الكتاب ثم «يخلص البنزين» كما قال معاليه بطريقته المدهشة في الحديث، حتى أني نظرت للأستاذ الدكتور حسام عقل الناقد الرئيس الذي يطرح رؤيته النقدية في تلك الأمسية، خفت أن أكون من هؤلاء، لكن استكمل معالي الوزير كلامه وأكد على أن رواية «ممرات الريح» مكتوبة بنفس طويل لذلك قرر الحضور مشكوراً.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store