Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد بشير كردي

واقع بوعد خادع!

A A
«صفقة القرن» كما قدَّمها الرئيسان ترامب ونتنياهو ما هي إلَّا تحصيل حاصل لأمر تمّ وانتهى في شهر يونيو 1967 باستيلاء الصهاينة على كامل التراب الفلسطيني إضافة إلى هضبة الجولان وشبه جزيرة سيناء.. وما سمي حاليُّا بصفقة القرن هو تثبيت الواقع بخرائط تنتظر توقيع الجانب الفلسطيني عليها إقرارًا منهم أن ليس بالإمكان أفضلُ ممَّا صارَ.. لن تجدي نفعًا بيانات الاحتجاج والاستنكار والمظاهرات أمام سفارات الولايات المتحدة الأمريكية في معظم عواصم العالم، طالما المتحكمون بالقرار الفلسطيني في كل من رام الله وغزة على خلاف، ويخوِّن كلُّ منهما الآخر.. وما دام المفاوضون الفلسطينيون مستمرين في مهمتهما من عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات (محمد عبدالرؤوف عرفات القدوة الحسيني) لا يكلَّان ولا يملاَّن من التجوال بين عواصم الدول ومقار المحافل العالمية، ولا من مماطلة الإسرائيليين في التفاوض على طريقة القط والفار، وفي مواصلة جلسات المفاوضات سنة بعد سنة، ومشاركة القوى العالمية المتحكمة بسياسة العالم واقتصاده لهذه المفاوضات التي تدور حول نقطة الصفر فرصة لبناء المزيد من المستوطنات في الضفة الغربية والقدس وما حولها إلى أن ينفرط عقد ما تبقى من الوجود الفلسطيني على الأرض الفلسطينية.. وقد أسهمت اللجان المشتركة بين الإسرائيليِين وحكومة منظمة التحرير على مدى العشرين عامًا الأخيرة من جهة، وانقياد حكومة حماس لمرشد الثورة الإيرانية من جهة أخرى مع ممارسة استخباراته وعملائه في سوريا ولبنان واليمن شن حروب إبادة على أهل السنَّة والجماعة، الأمر الذي مزَّق اللحمة الوطنية للشعب الفلسطيني، هذا إضافة إلى أنَّ المستوطنات الإسرائيلية تُبنى بأيدي فلسطينيين، وكذا تموين مواد البناء.
لكل ما تقدم، لا يوجد ما يقلق الصهاينة من إعلان مشروع صفقة القرن، والفلسطينيون على هذا التمزق، وغالبية حكام الدول العربية لديهم من هموم وتداعيات الفتن والصراعات الطائفية ما يكفيهم... وهو ما أوصل ملفات القضية الفلسطينية إلى غرف الأرشيف في المحافل الدولية للحفظ مؤهلة لدخول موسوعة جينز لِما لَقِيَهُ العرب من الظلم والعدوان والاحتلال منذ أن خُدع الشريف حسين بوعد من بريطانيا العظمى بتوليته ملكًا على بلاد العرب، حالما يتمُّ الإعلان عن وفاة (الرَّجل المريضِ)؛ السلطنة العثمانيَّة.. نُفِي الشريف حسين خارج بلاد العرب، وقسِّمت البلاد إلى دويلات لديها الكثير من أسباب الخلاف، حتى لا تقوم للعرب والمسلمين قائمة! ولم يسلم من هذه التجزئة إلَّا المملكة العربية السعودية التي اجتهد الملك المؤسس طيب الله ثراه في جمعة أطياف المجتمع تحت راية (لَا إِلَهَ إلَّا اللهَ مَحَمَّدٌ رَسولُ اللَّه)؛ فدخلت القرن الثاني من عمرها المديد إنْ شاءَ الله، وأطيافُها أَكْثرُ تماسكًا ومجتمعها أكْثرَ أمنًا واستِقْرارًا.. تعمل ما في وسعها للتوفيق بين الفرقاء الفلسطينِّيين وتمدُّهم بالمال والعتاد، وتدافع عَن عَدالةِ قَضِيتهم في المْحَافِلِ الدَّوْلِيَةِ، يَحْدُوها الرَّجَاء والأملُ بأن تعود الثقة بين الفصائل الفلسطينيَّة، فتقوم وحدةٌ حقيقيَّة بين أطياف المجتمع الفلسطيني مع انتفاضة فلسطينيَّة على غرار انتفاضة الشعب الجزائري الذي رضخت أرضه تحت الاحتلال الفرنسي منذ الثامن من يوليو عام 1830 ولغاية اليوم الخامس من يوليو عام 1962، أيْ بعد نحوِ 132 عامًا شهدت عمليَّات مقاومة، بدأها الأمير عبدالقادر الجزائري، وصولًا إلى جبهةِ التحرِير التي شنَّت حرب استقلال استمرَّت من العام 1954 حتَّى عام 1962، قدَّمت خلالها الجزائر مليون شهيد وأرغمت فرنسا على العودة إلى ترابها الأوروبي وقد اعترفت بالجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشَّعبية، ولا غرابةَ في عودة دولة عظمى كفرنسا إلى ترابها الأوربي.. وعَوْدَةُ الجزائرِ إلى الجزائريين، فللحرِّيَّة الحْمراءُ بابٌ بِكلِّ يدٍ مُضَرَجِةٍ يَدقُّ.. وَالله نَاصِرُ مِن ينصره قولًا وعملًا وإيمانًا واحتسابًا.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store