Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

واقعية الصين تصفع أوهام الملالي

A A
​في خضم ما يشهده العالم من مساعٍ متواصلة تبذلها كافة دول العالم، لمحاصرة مرض كورونا وتضييق فرص انتشاره، والعمل على تقليل خسائره إلى أقصى ما يمكن، خرج النظام الإيراني الغارق في أوهامه إلى البحث كعادته عن مبررات واهية، واتخذ نظرية المؤامرة شماعة يعلق عليها فشله المتكرر وإخفاقه المستمر، فخرج كبار قادته بمن فيهم المرشد الأعلى علي خامنئي، بتصريحات أدهشت العالم كله قبل أن تثير سخريته، بإعلان أن هذا المرض عبارة عن حرب بيولوجية تشنها الولايات المتحدة على بلاده والصين، في محاولة ساذجة لاستدرار عطف العالم وكسب تعاطف شعبه.​

تلك التصريحات المضحكة نفتها الصين على لسان سفيرها في الرياض، تشن وي تشينغ، الذي أكد أن التحقيق الذي أجرته بلاده خلال الفترة الماضية توصل إلى أن المرض نتج عن فيروس حيواني المنشأ وأن عائله الرئيس هو الخفاش، مضيفاً أن الادعاء بأن الفيروس قد تم إعداده في المختبرات، أو تسرب من مختبرات طبية، أو أنه حرب بيولوجية ويأتي ضمن نظرية المؤامرة لا أساس له من الصحة، مؤكداً أن هذه النظرية لن تجعل العالم كله يتكاتف لمكافحة الوباء ومحاولة التوصل لعلاج للفيروس الفتاك الذي أودى بحياة آلاف الأشخاص حول العالم.​

المتأمل للتصريحين المتناقضين يدرك بوضوح الفرق الكبير بين طريقة تفكير ساسة الصين الذين لم يضيعوا الوقت في البحث عن تفسيرات غير منطقية، ولم يستخدموا أدوات الفشل لتخدير شعوبهم، واختاروا العلم وسيلة وحيدة لمواجهة الكارثة، واستنفروا كل طاقاتهم للتصدي للفيروس ورصدوا قرابة 173 مليار دولار لتطويق انتشاره، وقاموا ببناء أربع مستشفيات عملاقة في غضون أيام قلائل، وهو ما كان له أثر كبير في النجاح الذي حققوه في مساعيهم المضنية. وبالمقابل فإن النظام الإيراني اختار أساليب الدجل ووسائل الشعوذة، وبحث عن مبررات لا تسمن ولا تغني من جوع، ووجه أصابع الاتهام كالعادة إلى الولايات المتحدة، متهماً إياها بشن حرب بيولوجية على بلاده، وفات على ساسة النظام الذين يعيشون خارج منظومة العصر إدراك ما لحق بالولايات المتحدة الأميركية من خسائر بشرية ومادية فادحة، وصلت حد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب حالة الطوارئ الوطنية التي قال إنها ستمنح الولايات والأقاليم إمكانية الحصول على ما يصل إلى 50 مليار دولار من الأموال الفيدرالية لمكافحة الفيروس، بعد أن تجاوز عدد الإصابات المؤكدة ألفي شخص، وفاق عدد القتلى 50 شخصاً. بل إن الرئيس نفسه أجرى فحوصات للتأكد من وضعه الصحي، بعد أن التقى الأسبوع الماضي وزير الاتصالات البرازيلي، فابيو واجنجارتن، الذي ثبت فيما بعد إصابته بالمرض.​

المثير في الأمر أن تصريحات خامنئي وكبار قادة الحرس الوطني الذين يدورون في فلكه ولا يجرؤ أحدهم على التفوه بما يتناقض مع مزاعمه قد أصابت المسؤولين في وزارة الصحة الإيرانية بالحرج والخجل، ودفعت مساعد الوزير، رضا ملك زاده، إلى إعلان رفضه لنظرية المؤامرة، قائلاً «وفقًا لتقديراتنا، ليس الأمر كذلك. ومن المستبعد جداً أن يكون تفشي هذا الفيروس في سياق حرب بيولوجية». مؤكداً أن الولايات المتحدة هي أكبر الخاسرين من المرض بسبب انهيار بورصاتها وتدني أرباح شركاتها العملاقة.​

لو أن خامنئي والساسة المقربين منه وجهوا جهودهم إلى استنفار طاقات شعبهم، وطلبوا مساعدة العالم على التصدي للمرض، واختاروا سياسة الشفافية والوضوح منذ البداية، وأعلنوا عن عدد الحالات المصابة، واعترفوا بخطئهم الكبير في عدم وقف الرحلات الجوية إلى الصين التي كانت موبوءة بالمرض في ذلك الوقت، لكان خيراً لهم ولشعبهم، وربما تمكنوا من إنقاذ آلاف القتلى الذين يموتون في الشوارع يومياً، دون أن يجدوا من يمد لهم يد الغوث أو يعينهم بدواء يساعدهم على احتمال وطأة المرض ومقاومته، لكن الشعب المنهك الذي أورده حكامه موارد الهلاك لا يزال يدفع ثمن تهور قيادته من قوته وصحة أفراده وحياتهم، بعد أن كان ذات يوم من أغنى شعوب المنطقة، قبل أن يحكمه هذا النظام الذي لا هدف له ولا رسالة سوى نشر الإرهاب وبث الكراهية وتأجيج النعرات الطائفية والعنصرية.​

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store