Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

الاستثمار في المرض!

A A
ارتبط مفهوم الاستثمار بالمال والعقارات والمنشآت، وغدا هذا المفهوم محل تنافس بين الناس على اختلاف مستوياتهم العلمية والمعرفية والاجتماعية والمالية. يُعَرِّف موقع (موضوع) على الشبكةِ الاستثمارَ بأنه «الأصول التي يشتريها الأفراد والمنشآت من أجل الحصول على دخلٍ في الوقت الحالي أو المستقبلي». على هذا فالاستثمار هدفه نمو رأس المال، وزيادة الدخل بوسائل متنوعة تجعل المستثمِرَ يمتلك الثروات الطائلة التي تضمن له -بعد توفيق الله- حياةً طيبةً، وعيشًا رغيدًا، ومكانةً اجتماعيةً مرموقةً.

ما سبق من توصيف ينطبق بحق المال والعقارات والمنشآت، وهذه وغيرها من المصالح هدفها وموضوعها الرئيس هو الدنيا، إلا مَنِ ابتغى من وراء ذلك اللهَ والدارَ الآخرة، وهذا النوع من الاستثمار في المال وكل ما له علاقة بالمال أمر مألوف ومتعارَف عليه، ولا حرج في ذلك ما دام في دائرة المباح ولا يترتب عليه إضرار بالآخَرِين، لكن أن يأتي الاستثمار في (المرض) فهذا مما يدعو للتساؤل عن المقصود بهذا المفهوم (مفهوم الاستثمار في المرض).

الاستثمار في المرض يأتي على ضربين: الأول أن يُبادر بعض المليئِين وبعض المقتدرِين من أصحاب رؤوس الأموال بإنشاء مصحات طبية خاصة (مستوصفات أو مستشفيات أو مراكز) مع توفير الكفاءات الطبية والفنية والأدوية والأجهزة اللازمة لها التي تُسهم في علاج المرضى والتخفيف من آلامهم ومعاناتهم. بالتأكيد فهذه الخدمات الطبية المقدمة في تلك المصحات ليست مجانية؛ وإنما هي بمقابل مالي، وذلك بحسب الخدمة المقدمة، وبهذا يُعلَم أن أصحاب تلك المصحات عندما قدَّموا تلك الخدمات فإنهم بذلك (يستثمرون) في أمراض المرضى، عن طريق تقديمهم الخدمات الطبية لهم بمقابل مالي؛ فهم يُفيدون المرضى وفي أمراضهم يستثمرون، ولا بأس في ذلك، وبإمكان أصحاب هذه المصحات أن يُضيفوا لاستثمارهم المالي الذي يعود عليهم من مصحاتهم استثمارًا آخر بأنْ (يَنْوُوا) التخفيفَ من آلام المرضى ومساعدتهم على الشفاء، وبالتالي يكسبون الحُسنيَيْن. الاستثمار الأخير الذي أقصده -وهو محور المقال- أعني به ما يغفل عنه بعض المرضى حينما تنزل بهم الأمراض فيغفلون عن جانب مهم يُعتبر هو (الاستثمار الحقيقي) في الأمراض التي نزلت بهم؛ وذلك أن المرض إذا ما نزل بالمريض فضاق به ذرعًا وتسخط، فليس له منه إلا الألم والمعاناة، غير أن الموفق هو من (رضي) بقَدَر الله (وصبر)، وعلم أن في محنته منحةً ربانيةً مُدَّخَرة له يوم المعاد، ثم (احتسب) ذلك عند الله، وطلب منه الثواب، فذلك هو (الاستثمار الحقيقي) الذي يغفل عنه البعض ولا يستحضره

، وبالتالي يفوِّت على نفسه أجورًا عظيمة لا حصر لها كان سيجدها في ميزان حسناته يوم العرض الأكبر. فالصابرون -ومنهم الصابرون على المرض- يقول عنهم الكريم الرحيم: «إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ»، وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم «(يود أهلُ العافية يوم القيامة حين يُعطى أَهلُ البلاءِ الثوابَ لو أَنَّ جلودَهم كانت قُرِّضت في الدنيا بِالمقاريض»، ويقول أيضًا «إن عِظم الجزاء مع عِظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم..»، وعليه فاستثمار المرضى في أمراضهم (بالرضا والصبر والاحتساب) هو الاستثمار الرابح، والمغنم الحقيقي، والفوز العظيم الذي يجهله البعض. واليوم ونحن في معركةٍ حامية مع وباء (كورونا) الذي اجتاح العالَم فإنه يحسن بنا أن نتوكل على الله، ونتيقن أنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، ونلتزم بتعليمات الجهات المختصة، مع طلب الشفاء من مظانه الصحيحة؛ أخْذًا بالأسباب وحمايةً للأرواح، ومن أُصيب فليصبر، وليحتسب ذلك عند الله، فتلك تجارة رابحة لا تعدلها أي تجارة.

* ‏ومضة:

يا صابرِينَ على البَلْوى وقد نزلتْ

بُشراكُمُو اليومَ جناتٌ وأنهارُ

وفَّاكُمُو الربُّ أجرًا ليس يَبلغُهُ

سِواكُمُو فاهنؤُوا.. والمُصطفى الجارُ

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store