Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

خطرات في الأزمات

A A
تتأثرُ التركيباتُ النفسيّة للأفراد في أوقات الأزمات والكوارث، وقد تعلَق تلك الخبرات والأحداث في العقل الجمعي لمدةٍ أطول، وتتركُ بعضَهم في حالةٍ من الارتباكِ الفكري والقِيَمي وحيرةِ إجابات على أسئلةٍ وجودية.

ومن أهمّ ردودِ الأفعال النفسية على الكوارثِ الطبيعية أو البشرية (كالأوبئة)، الهلعُ نتيجةَ التعاملِ مع المجهول، وترقّبُ الإصابة بالمرض، ومحاولةُ تفسير تفشّي الوباء استناداً على قناعاتٍ دينية، والبحثُ عن تبريرٍ للاقتناع بذلك، وإسقاطُ النصوص الدينيةِ على ما يحدث من جوائح، والبحثُ عن خلاصٍ «ديني» يُشعر بعضَهم بالطمأنينة النفسيةِ في مواجهةِ المجهول والمآسي، كوسيلةٍ مهمّة من وسائل التكيّف الرُّوحي، وذريعةٍ للفشلِ النّفسي والعلمي في مواجهة الأحداث.

ومع انتشارِ الوباء والفزَع على نطاقٍ واسع، تشتدُّ وطأةُ الخوف الجماعي، مما يزيدُ من ارتباكِ كثيرٍ من الناس وشكوكِهم في صحة تفسيراتهم وتبريراتهم، ويفلتُ زمام العقلانية لديهم، وتطغى سلوكيّات بدائية بحتةٍ، منها الخوف والأنانية والتغلّب والاستحواذ، بمحاولة تأمين الموادّ الغذائية والمستلزماتِ الشّخصية وتخزينها بشكلٍ هيستيري، مما قد يتسبّبُ في أزمة نقصٍ مُفتعلَة.. ويزدادُ الفزعُ بانتشار المعلوماتِ المغلوطةِ، والتحليلاتِ الخاطئة، والشائعاتِ المُقلقة، ونظريّات المؤامرة، نتيجة انفتاحِ العالَم عن طريق وسائلِ الإعلام الحديثة والتواصلِ الاجتماعي دون رقابةٍ، على الغثّ والسّمين، والعُقلاءِ والمجانين، فضلاً عن «فوبيا» الجراثيمِ والعدوى، والتوجّسِ من التعامل مع عِرْق مُعين.

ومن ضمن السّلوكيات المُختلفةِ وقت الأزمات، التشاؤمُ المُفرط، واعتبارُ الأزمة عقاباً لآخرين، ورحمةً لغيرهم، وتفسيرُها على أساس الدِّين وحدَه، أو العلم فحسْب، والتوبةُ والاعتصام بالله، وتأنيبُ الضمير، أو الّلامبالاة والاستهتار والسُّخرية، والتشتّت والجزَع والسّخط، والتشكّك والإحباط . ومن المُلاحظ أنّ أحدَهم -خلال الأزمات والأوبئة- يقومُ بإسقاط مُعتقداته الشّخصية عليها، وإخراجِ بعض النّصوص الدينيةِ من سياقها، وتطويعِها لتتناسب مع رأيهِ وفكرهِ وثقافته الشّخصية خارج الواقعِ ودون تجرّد، والأخطر، إيقاعِ الأحكام الدّينية على الناس، وتفصيلِ أقدار الله على مِزاجه، وبخاصّة في مُجتمعات تنتشرُ فيها الأدلجة الفكرية والهوسُ الدّيني، كما تزدادُ حُمّى المزايدةُ على دين الناس والشّماتة فيهم دون وازعٍ من ضميرٍ ولا رادعٍ من أخلاق، فبعضهم قد يعتقدُ بمحاباةِ الله له ضدّ غيره خلال الأزمات العامّة.

يبدو أن العالمَ كما نعرفُه، لن يعودَ كذلك بعد الخروجِ من الأزمة الحالية، فقد تتغير كثيرٌ من السّياسات والعلاقاتِ الاقتصادية والأوّليّات الاجتماعية، وتتطوّرُ التقنياتُ العلمية، وتنتشرُ أنظمةُ العمل عن بعدٍ على نطاقٍ أوسع، وقد يقتربُ كثيرٌ من الناس من بعضِهم ومن الله، أو يزدادونَ انفصالاً وبُعداً عنه.. والله لطيفٌ بعبادِه.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store