Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد البلادي

الهيف!

A A
· كثيرة هي الأوبئة والكوارث التي ضربت هذا الكوكب، منها ما دوَّنّه التاريخ، ومنها ما كان قبل التاريخ أصلاً.. والجزيرة العربية كأي جزء آخر من أرض الله لم تسلم من هذه الأوبئة، بعضها وصلنا خبره مثل طاعون عاموس الشهير في عهد عمر بن الخطاب، ومنها ما سقط بين ثنايا تاريخنا الشفاهي فلم يعد يذكره أحد، ولا أظن أن هناك قرناً من القرون سلم من ضربات الأوبئة التي يسميها بعض أبناء البادية (الهيف) بل إن بعض القرون ابتليت بأكثر من (هيف)، لعل من أقربها للذاكرة الجمعية كارثة الحصبة 1330هـ، وسنة الجدري 1358هـ، وسنة الرحمة وهي الأعنف وحدثت عام 1337هـ ويسميها البعض سنة (الصخونة).

· الهيف كلمة فصيحة تعني عند العرب الموت، وقيل: ريح حارة قاتلة تأتي من الجنوب، يسميها العرب النكباء، ولايزال هذا الاسم موجوداً عند البادية حتى اليوم، قال الأصمعي: الهيف كل ريح ذات سموم تعطش المال وتيبس الرطب. وقد سُمي عام 1337 - 1918م الذي اجتاح العالم فيه فيروس (الحمى الأسبانية) في أعقاب الحرب الكونية الأولى وقتل ما بين 50 - 100 مليون إنسان، سُمي بسنة (الهيف)، نظراً لموت خلق كثير به، واعتقاد الناس أن الوباء كان ينتشر عن طريق الهواء.. ويشير إبراهيم بن عبيد في كتابه «تذكرة أولي النهى والعرفان» لهذا العام فيقول: «وقع فيه الطاعون وهلك بسببه ألوف الأنفس، وبسببه هجرت مساجد وخلت بيوت وهمّلت المواشي، وكان يصلى في اليوم على 100 جنازة حتى تكسرت النعوش وجعلوا عنها عوضاً الأبواب لحمل الموتى، فكان المحسن في ذلك الزمن من همُّه حفر القبور والنقل اليها». وقد روى لي بعض الفضلاء أنهم كانوا يجدون بقايا الجثث في الآبار القديمة نظراً لعدم قدرة الناس على دفن الموتى في زمن الهيف!.

· ابتليت الجزيرة العربية بأكثر من طاعون و(هيف)، فنوبات الجدري كانت (هيفاً) مرعباً يفر منه الناس فرارهم من الأسد، وحكاياته المخيفة لاتزال تسكن أذهان بعض كبار السن الذين كانوا شهود عيان على شراسته وفتكه ببعض أقاربهم، فلا حيلة ولا علاج إلّا بالعزل القاسي، حيث تُضرب للمريض قبة من حجارة، تقام بعيداً عن البيوت، ويوضع فيها المصاب خوفاً عليه من عدو السباع التي تقول الروايات أنها تشم رائحة (المجدور) من مسافة بعيدة.. ثم يترك المعزول مع بعض الطعام لأربعين ليلة، فإن شفي لحق بأهله، وإن مات كان ذلك قبره إلى الأبد! .

· الهيف في الماضي كان يقتل الآلاف نظراً لقلة الموارد وضعف الإمكانات، أما هيف كورونا فيحدث ونحن نعيش في كنف دولة كريمة وقوية، وولاة أمر حادبين ومشفقين على الناس، مملكة إنسانية هدفها الأول هو المواطن الذي يجب أن يعي دوره في الخلاص من هذه الجائحة ويلتزم به.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store