Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
حليمة مظفر

على لسان كورونا .. رحلة إلى الداخل!

A A
أوووف مللتُ «أينكم!؟»، أشعر بالتلاشي، ساعة أنتظر على مقبض عربة التسوق! لكنه حظر التجول، وساعتان على السادسة صباحاً حتى ألتقي بأحدهم.

أخذتكم على عجل، أنا»كوفيد 19» هكذا سميتموني للتمييز بيني وأبناء عمومتي المنتمين إلى عائلة عريقة جداً «كورونا». صحيح أني جينٌ بروتيني ميت في أحشاء خفاش نتن! حُبست سنوات داخله فيما أبناء عمومتي نفذوا من تلك الخنازير آكلة الفضلات وعاشوا حريتهم قبلي ممن لم يدركوا أن الخنازير والخفاش بيوت نسكنها! أستغرب كيف يأكلونها!.

«ما علينا» تقولون أني فيروس خبيث، لكن أليس بينكم مثلي! خبثاء يحفرون المكائد لغيرهم حسداً وحقداً!، فلماذا تغضبون مني ولا تدعوني أمارس أنانيتي! كما مارس البشر أنانيتهم على الأرض!، أتحسبونها لكم وحدكم حين جعل الله تعالى الإنسان خليفة عليها لتعميرها له ولغيره، لكنه سعى إلى خرابها جشعاً وحروباً وطمعاً صناعياً لا ضوابط له!، لوثوا البحار والبراري وضيقتم على خلق الله!، هل تتذكرون حريق غابات أستراليا! بأي حق يموت نصف مليار حيوان بسببه؟!، أحيانا أعتقد أن البشر أغبياء! لا يفهمون غضب الطبيعة؛ تذكرون ابن عمي فيروس الانفلونزا الإسبانية!؟ زاركم قبل مائة عام خلال الحرب العالمية الأولى التي كانت فرصته لينتشر بعد تحرره من معدة خنزير وتحوره في طير! حاصداً أرواح 50 مليوناً! مع ذلك لم يتعلم البشر! استمروا في قتل بعضهم!!. أتعرفون أن ضحايا الحرب العالمية الأولى 36 مليون إنسان؛ 16 مليوناً منهم قتلوا! وماذا عن عدد وفيات الحرب العالمية الثانية؟! لقد حصدت 60 مليون قتيل، ثم تحاسبونني الآن على قتل آلاف!.

بصدق، كوني جيناً صادقاً لا يمارس النفاق كبعضكم، أشعر بزهو وأنا أراكم في جُحوركم، أقصد منازلكم! هل صدمتكم! أليس حجراً منزلياً كما تصالحتم على تسميته أيها البشر!، لكنه لا فرق بين «حَجرٍ» وبين «جُحُر»!؟، فكم حيوان هرب إلى جحره خوفاً منكم!، أليست جحور الحيوانات بيوتها! وأنتم الآن في بيوتكم! فيا ليتكم تصطادون لتعيشوا إنما لتستمتعوا!، حولتم الصيد إلى مسابقات ترفيهية!!، وتصنعون من جلودها وفرائها فرواً وحقائب بآلاف الدولارات وكأن ليس لديكم بديل عنها!، فقط لتتباهوا ببضاعة باهظة في حفلاتكم!. المُضحك أن بعض هذه الحفلات خيرية! ترتدون فرو أرنب مسكين يُعذب خلال سلخه حياً عشرات المرات في حفل خيري! ووضع فرو نمر سينقرض في صالة بيتكم!، لقد جعلتم الحيوانات البريّة والبحرية لا تأمن إلا في جُحورها خوفاً منكم!، أنظروا الآن وأنتم في جُحوركم/منازلكم؛ خرجت الحيوانات سعيدة من كل مكان تستمتع بالأرض!.

والآن أسرح وأمرح في رئة رجل ظن أنه أقوى بعضلاته وهو يتنمر غروراً بماله حتى اشترى له شهادة لسلب منصب ليس من حقه!، ربما أذكره بضعفه! لكني حزنتُ حين انتقلتُ إلى رئة شقيقه المريض بالسكري وكان يحبه الناس لأنه خلوق!، لكني أرسلت أبنائي لرئة زوجته التي أضرت بلسانها وحسدها أعراض الناس غيبة ونميمة؛ لا شك أني بكيتُ حين انتقلت إلى رئة والدتها المُسنة الطيبة التي لطالما نصحتها بترك الناس؛ لكن ابنتها لم تكترث أساساً بها! فمارستُ قانون الطبيعة.

بالمختصر، ربما أني مثلهم تماماً بعد أن تحول بعضهم إلى فيروسات بشرية لا فرق بيني وبينهم سوى أني كائن جيني ميت لا عقل لي مثلهم، تمت هندستي كتحدٍ إلهي لعقولهم! وسواء هندستي تمت ببطن خفاش أو في مختبرات حربية فأنا اعترف بأني جين ليس ذكياً، لكني شيطاني أعرف ضالتي في جسد ذلك الآدمي مثلي مثل أبناء عمومتي حين نخترقه!

أنا وأبناء عمومتي فيروسات الإنفلونزا نكابد حتى نصل إلى الرئة؛ وأبناء خالاتي يكابدون حين يتجه أحدهم للكبد أو للنخاع الشوكي أو الجهاز المناعي الذي يضمن لنا جميعاً حياة رغدة!.

العجيب هناك من يحسب رحلتنا سهلة داخل أبدانهم (يضحك بلؤم) وليتكم تُدركون قوله تعالى:»وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ»! خاصة البلهاء الملحدين! لو يعرفون أن في أجسادهم جنوداً مجندة من كريات الدم البيضاء تحاربنا حتى تصنيع الجسد علاجاً يقضي علينا؛ إننا نخوض معارك داخل أجسادهم تشبه حروب البشر تماما إما ينتصر جسدهم وإما ننتصر ونقضي عليه! ربما حينها يشعرون بقيمة التنفس! كل يوم يتنفسون ولا يشعرون أنها من نعم الله التي لا تحصى!، لعلّ لي هدفاً نبيلاً حين أذكرهم بذلك (يضحك بلؤم)، ألا يجعل البشر لأفعالهم السيئة أهدافاً نبيلة أيضا! فاليوم جميعهم يردد»التباعد الاجتماعي» محبة! وكانوا قبلي يعظون بعضهم بـ»التقارب الاجتماعي» لتعزيز المحبة وقد أهملوها!، فالابن لا يزور والديه المسنين بحجة العمل أو السفر، فيما يرسلون أحدهما للسوق والمستشفى مع خادمة وسائق!، أما الإخوة فلا يلتقون إلا في المناسبات والأعياد بحجة»الدنيا مشاغل»! والجار لا يعرف جاره! والآن فقط تذكروا شوقهم إليهم حين حرمتهم حتى من مصافحة بعضهم! ربما يتعلمون الدرس جيداً!.

حقا، عمري ثلاثة أشهر و18 يوماً حتى كتابة هذا المقال من كاتبة تمنيتُ غزو رئتيها حين شاهدتُها، إنها تكتب بعجرفة عني منذ أسابيع؛ وحين كان شقيقي التوأم في رئة مريض يكح حلقتُ أنا في رذاذه وأخوتي بجانبها وهي واقفة بممر طوارئ المستشفى تُلوح لوالدتها كالبلهاء لتطمئنها خلف نافذة غرفة العزل! لكنها ترتدي كمامة وحينها هبطتُ ميتاً على المقعد بجوارها، أتحين فرصة الحياة بها، ورقصت فرحاً حينما جلست ولمست المقعد بيديها فتعلقتُ بسباباتها؛ وقلتُ: أخيرا! لم أجد حيلة لأنفها فقد تلمس عينيها.. وجهها.. وانتظرت وانتظرت وانتظرت حتى ارتعشت بذلك الماء الفاتر ينسكب على «صلعة رأسي» وشعرت بالدوار وهي تفرك يديها بالصابون فانزلقت منها لأغرق في البالوعة! وحرمتني الانتقام لأعلمها ما تكتبه عني دون عجرفة! تبا لكِ يا حليمة!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store