Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد بشير كردي

جمال النفس ومتعة الحياة!

A A
لزمن غير بعيد كنَّا نحرص على سكن بجوار بيت رسولنا الكريم في المدينة المنوَّرة، مهما كانت مساحته محدودة.. يومها كانت وحدة قياس المساحة هي المخزن؛ تعادل اثنين وأربعين مترًا مربعًا وخمسة وعشرين من المئة من المتر المربع.. والثري مَن تملَّك من المخازن بعدد أصابع اليد الواحدة، ليقيم فوقها سكنه وتحته مركز رزقه من بيع وشراء.

استمرَّت الحال على ما هي عليه إلى أن ساهمت موارد الدولة مع حرص أولي أمرنا على توسعة الحرمين الشريفين بشراء الممتلكات المجاورة لبيت رسول الله بمبالغ أضعافًا مضاعفة عن سعرها يوم ذاك.. ومع التوسعة، وخدمة ضيوف الرحمن، عمَّ الرخاء وانتشر العمران في اتِّجاهات المدينة المنوَّرة كافَّة، وفي مدن المملكة ومرافقها أيضًا.. فشهد جيلنا طفرة اقتصاديَّة عمرانيَّة لا تزال الحجر الرئيس في تشييد المملكة على أسس متينة وفق متطلَّبات الحضارة حياة وعلمًاً وعملًا.

لقد قدَّر لي بعدها أن نُقلت خدمات عملي من المملكة إلى اليابان لأجد مساحات مبانيها السكنيَّة أقل ممَّا عهدناه.. أي تقاس بالتاتامي، وهي حصيرة يابانيَّة أرضيَّة تصنع من سيقان الأعشاب، ويتمُّ مدُّها في غرف المنازل اليابانيَّة، والفنادق والمطاعم ذات الطراز الياباني، وغرف الشاي.. ويتم الجلوس فوقها مباشرة أو فوق (زابوتون)؛ وسادة يابانيَّة مربَّعة الشكل.. وكذلك للنوم فوقها بعد مدِّ (فوتون)؛ الفراش الياباني التقليدي.. ولا يمكن الاستغناء عنها بالنسبة إلى اليابانيِّين.. ونادرًا ما تجد قطعة أرض صغيرة وبسيطة! ويقول المهندس المعماري الياباني؛ ياسوهيرو ياماشيتا: «إنَّ جمال الكون كلُّه يتشكَّل في أصغر مساحات البناء، فالتصميم، وتشييد المباني بأناقة وجمال، لكن على قدر احتياجات القاطنين فيها دون زيادة ونقصان».. فعلى غير ما هو حالنا هذه الأيَّام في تشييدنا صالونات وغرف جلوس لا تستخدم إلَّا في المناسبات على ندرتها.

لسنوات، تعايشت مع نمط المعيشة في اليابان حتَّى عودتي للمملكة، لأجد المباني الشاهقة والقصور الفخمة بجانب الشقق وغرفها المتعدِّدة، وما يصاحب ذلك النمط من السكن من نفقات استهلاك وخدمة وتشغيل.

اليوم، ومعنا العالم، نعيش مرحلة تبدُّل حياتيٍّ بتأثير تداعيات تسونامي الوباء الذي غطَّى المعمورة من أقصاها إلى أقصاها، أتساءل ومعي الكثيرون عمَّا إذا كان البناء الاجتماعي القادم سيتوَّج بعودة للقبول بكل ما هو معقول وعملي من متطلبات الحياة والسكن، فلا ترف ولا إسراف وإنّما لمسات من الأناقة والجمال..

أرجو الله مخلصًا أَن يستوعب أهلي الأقربون، وبنو وطني عامَّةً إن لم أقل العالمين أجمعين قول الله تعالى: ﴿الْهَاكُمُ التَّكاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾.. ورحم الله المتنبي شاعر العرب، وحكيم الإنسانيَّة وهو القائل:

نَبْكِي عَلى الدُّنْياَ وَمَا مِنْ مَعْشَرٍ

جَمَعَتْهُمُ الدُّنْيا فَلَمْ يَتَفَرّقُوا

فَالمَوْتُ آتٍ وَالنُّفُوسُ نَفائِسٌ

وَالمُسْتَعِزُّ بِمَا لَدَيْهِ الأحْمَقُ.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store