Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
م . طلال القشقري

كِدْتُ أغرق في خزّان مياه!!

A A
في ثالث أيّام العيد، طالعني نبأٌ حزينٌ عن غرق طفل عمره ٣ سنوات في الخزّان الأرضي لمنزله في حيّ الثعالبة بجدّة، ويبدو أنّ غطاء الخزّان كان غير مُوصد، والمُحصّلة الطبيعية لهكذا إهمال هي وفاة طفل بريء، ربّما ساقه فضولُه وحُبُّ اللهو واكتشافُ الأشياء لحتفه المؤسف.

فليرحمه الله رحمةً واسعة، وليجعله في حوصلة طير من طيور الجنّة، وشفيعاً لوالديه يوم يقوم الحساب، ويوم تُدعى كلّ أمّة بكتابها، وىُنادَى الأشهاد.

وكاد حادثٌ كهذا يقع لي في طفولتي الشقية بمدينة الطائف الهنيّة، إذ كُنْتُ أحاول الفرار من شقيقي «حسين» الأكبر منّي سِنّاً خلال لعبنا سويةً في الشارع، فوجدْتُ باب عمارة الجيران مفتوحاً، وهم أسرة النُقَلي المعروفون في الطائف، فدخلْتُه سريعاً، ولم أكن أعلم أنّ خزّان عمارتهم يقع مُباشرةً خلف الباب، وأنّ فوهته كانت مفتوحة مثل فك سمكة القرش قبل التهامها لفريستها، ولا أتذكّر سوى ارتطامي بالمياه وجذبها لي للقاع، كما يجذب المغناطيس نُشارة الحديد!.

والحمد لله أنّ حُسيْناً لحقني قبل أن أُغْلِق الباب ورائي، وانتشلني بيديه رغم أنّه كان طفلاً مثلي، ولم تكن بُنيته الجسدية قوية، ولولا الله الذي أكرمني بالحياة حتّى أجلٍ مُسمّى، ثمّ أبي بلال، كُنْية شقيقي الحبيب ومُنقِذي العزيز، لكُنْتُ مثل طفل حيّ الثعالبة يرحمه الله، مجرّد رقم في سلسلة الأطفال الغرْقَى!.

والخزّانات الأرضية يمكن الاستغناء عنها أصلاً، خصوصاً المنازل ذات الدور الواحد أو الدورين، وبالتالي لا تُشكّل خطورة على سلامة الأطفال، ولا تكون سبباً لإهدار المياه وإتلاف ما حولها من مرافق فيما لو حصل تسرّبٌ منها كما يحصل عندنا بكثرة، ولا تكون مستودع مياه خاص لكلّ منزل كان بالإمكان التشارك في المياه المُخزّنة فيها من عدّة منازل، لكن بشرط توفّر شبكات المياه النموذجية العامّة التي تصل لمآخذ شبكات المياه داخل المنازل بسهولة واستمرارية كاملة ٢٤ ساعة في اليوم، كالذي يحصل في الدول المتطوّرة، وهذا هو الذي ينقصنا، ولم تتمكّن وزارة المياه ولا شركة المياه من إكمال هذه الشبكات المطلوبة في مدن المملكة وأحيائها، رغم إغداق الدولة عليها بالميزانيات الكبيرة، ورفع أسعار بيع المياه حتّى طغت على أسعار الكهرباء، فاحتفظ الناس بخزّاناتهم الأرضية بمشكلاتها الكثيرة في منازلهم القديمة، وبنوا مثلها في منازلهم الجديدة، وليس هناك موعد لإكمال الشبكات أو خطّة متقنة لإنجازها، فمتى تكتمل وهي السهلة الممتنعة؟ وكم من طفلٍ سيغرق قبل إكمالها؟ وكم من أمتار مُكعّبة ستتسرّب من الخزّانات الأرضية القديمة؟ وكم من مرافق ستتلف بسبب التسرّب؟ وكم من مياه ستتّسخ وتبقى بلا استخدام فيها إنّ امتلأت وكان استهلاكها قليلاً؟ كلّ ذلك يحتاج لأجوبة وعمل واجتهاد أكثر من الوزارة والشركة!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store