Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
حسن ناصر الظاهري

رحلة لیبیا.. من الصراع في الداخل إلى الأطماع من الخارج!

A A
في السنوات القلیلة الماضیة، دأبت تركیا على أن یكون لها حضور في المناطق الساخنة في الشرق الأوسط، كسوریا ولیبیا والعراق، وذلك لأهداف اقتصادیة، ولوحظ بأنها أصبحت أكثر توسعیة في أراضي الدول المجاورة لها مثل العراق وسوریا بهدف محاربة الأكراد والجهادیین.. ولكنها هذه المرة قادتها أطماعها إلى المضي قدمًا بعیدًا عن جغرافیتها إلى لیبیا التي لا تجاورها، إذ استغلت الخلافات الظاهرة على الساحة اللیبیة بین قوات الجیش الوطني بقیادة (حفتر) وبین حكومة الوفاق الوطني اللیبي، فأومأت تركیا لـ(السراج) بأن یدعوها لحمایة طرابلس وإنقاذها من السقوط، وعندما تلقت الدعوة فعلا قررت التدخل عسكریًا بحجة أن حكومة الوفاق المعترف بها دولیًا قد طلبت منها مساعدتها ودعمها عسكریًا، وقد قاد الدهاء الذي هو علیه الرئیس التركي (أردوغان) إلى استغلال حاجة حكومة الوفاق لبلاده عسكریًا بتوقیع اتفاقیتین، إحداهما حول التعاون الأمني والأخرى في المجال البحري، لأن ما یهم تركیا هو تأمین مصدر الطاقة، فمعروف عنها بأنها دولة غیر منتجة للطاقة، وأن یكون لها منابع نفط وغاز، بالإضافة إلى أنها تتطلع منذ أمد بعید لتضمن لنفسها فرصة في جهود إعادة الإعمار لیتحقق لها توازنًا اقتصادیًا ینتشلها مما هي فیه من تردي اقتصادي.

هذا الاتفاق المثير للجدل يتيح للسلطات التركية التمسك بمطالب سيادتها على مساحات في شرق المتوسط الغني بموارد الطاقة، كما يعد بمثابة (صك شرعي) في جعبة تركيا لمواجهة دول متوسطة أخرى، مثل، قبرص واليونان ومصر وإسرائيل.. وهذه المكاسب التي حصلت عليها تركيا تجعلها تستميت في الدفاع عن حكومة الوفاق، لأن انتصار الجيش الوطني بقيادة (حفتر) لو تم، فإنه سيحرم تركيا من تلك الميزات.

الاتفاق الذي تم بین (أردوغان والسراج) جاء بدون علم مجلس النواب اللیبي ولا یتماشى مع الدستور، ولذلك عبر المجلس عن إلغاء الاتفاق ومذكرتي التفاهم الأمني والعسكري، وقطع العلاقات مع أنقرة، وصوت بالإجماع على إحالة (السراج) ووزیري الخارجية والداخلیة للقضاء بتهمة الخیانة العظمى، كما أن التدخل العسكري التركي في الأراضي اللیبیة قد وجد معارضة شعبیة شدیدة بالإضافة إلى معارضة من قبل هیئة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربیة، الذین أشاروا إلى أن التدخل العسكري لن یؤدي إلا إلى تداعیات داخل الأراضي اللیبیة، وقد تمتد إلى دول المغرب العربي الأخرى، كما یخلق مشاكل أمنیة خطیرة في المستقبل، ومثلها مثل إیران، تعتمد تركیا على جلب المرتزقة للقتال في لیبیا نیابة عنها، ومعظمهم من السوریین الذین ترعاهم تركیا وتغریهم بالحصول على الجنسیة التركیة مقابل مشاركتهم في المعارك في لیبیا، بینما تمنح حكومة الوفاق المقاتلین راتبًا شهریًا مقداره (٢٠٠٠) دولار، وتدفع ملیون دولار لكل قائد فصیل لكي یرسل عناصره للقتال.

ویبدو أن الأزمة اللیبیة مرشحة لأن تطول لتمتد إلى سنوات عدة بعدما تدخلت مؤخرًا الولایات المتحدة التي تساند (السراج) وذلك بحجة التدخل الروسي الذي یعتزم إنشاء قاعدة عسكریة له في لیبیا، الأمر الذي تراه یشكل خطرًا على أمن أوروبا.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store