استقبلت يومًا باحثًا أمريكيًا من أشهر الباحثين في مجاله كأستاذ زائر وعجبت لأمره كون أنه مرجع عالمي في الايض والسرطان ووزنه أربعة في واحد أي أنه سمين جدًا، وعندما انتهى من إلقاء محاضرته والاستراحة لتناول بعض الأكل والشراب إذا به يضرب بعرض الحائط كل قوانين التغذية السليمة فعندها تذكرت المثل القائل ضبة النجار مخلوعة، والجيل الجديد الذي أنا واحد منهم قد يعرف الباب لكن لا علم له بالضبة، وحتى لا يظنها البعض انها اسم زوجة النجار نوضح بأن الضبة هي المتراس أو القفل الذي كان أهل زمان يقفل به الباب ومنها المثل القائل لأحد العشاق أو الغاضبين: «والله لأكسر الضبة واخلع الباب»، ليس المهم الآن الضبة ولا الباب إنما صاحبنا المرجع العالمي في بحوث السرطان وأسبابه التي منها الغذاء، طيب خلونا الآن كذلك من التغذية السيئة كأحد الأسباب الرئيسيّة للسرطان ونذهب معًا لما هو أوضح، لمجموعة من أعز أصدقائي من الأطباء دون الحاجة لذكر الأسماء، تراهم مرشدين لمرضاهم في توضيح ضرر التدخين وما أن يخرج المريض حتى ينفرد به شيطانه فيولع السيجارة ويدخن.
إن مَثل ضبة النجار مخلوعة لا ينطبق فقط على النجار والباحث العلمي والطبيب إنما على أشياء كثيرة في المجتمع وأكثرهم حضورًا من يكون شيخًا أو واعظًا أو موجهًا أو تربويًا وتراه يؤكد في المجتمع على أمور تتعلق بتقوى الله وطلب المعاملة الحسنة للوالدين والزوجة أو الأولاد والبنات أو الجيران وغيرهم ثم إذا هو من ينبغي أن يُنصح، فلا اهتمام بوالديه ومقصر في حقهم وتعاني زوجته منه كثيرًا وأولاده وبناته مضطهدين في حضرته وجيرانه يكرهونه من سوء تعامله وينطبق المثل ضبة النجار مخلوعة كذلك على السيدات اللائي يمثلن الوجاهة في المجتمع عندما يجري أحد معهن مقابلات تلفزيونية تشعر أن الوحدة منهن زاهدة وأن حياتها مرتبة على سنجة عشرة في تدبير الحياة ماليًا ونظاميًا وانها مقتصدة وتوصي بضرورة عمل برنامج اقتصادي للأسرة ويجب أن يكون كل شيء وفق الأولويات وبمجرد تخرج من اللقاء وتركب سيارتها ترى بجوارها شنطة لا يقل سعرها عن خمسة عشر ألف ريال وفِي منزلها أداوت باهظة الثمن ومنزلها وأسرتها تشكو من الفوضى وهكذا دواليك في المجتمع.
عينات كثيرة ضبتهم مخلوعة بما اسميه أنا مرض «سندروم ضبة النجار» وتحتاج الأمور بالتالي إلى إعادة نظر ومعالجة وهذا مما عاتب الله به المؤمنين في القرآن الكريم بقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لما تقولون مالا تفعلون كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون).
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
