Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالعزيز معتوق حسنين

ترمومتر الزئبق والإلكتروني.. وكورونا!!

A A
حديثًا كثر استخدام الترمومتر الإلكتروني بسبب وباء كورونا المستجد عالميًا ومحليًا إلى درجة أنه أصبح من الضروريات الأساسية في كل الإدارات الحكومية والمؤسسات والشركات التجارية حتى المنازل.. ولاشك بأن المستفيد الأول والأخير هم صناع هذا الجهاز.. أما ترمومتر الزئبق التقليدي فأصبح من النادر مشاهدته.

هذا الموضوع أعاد لي موقفًا حدث لي وأنا أعمل كمستشار أمراض باطنية وسكر في مستشفى الملك فهد للقوات المسلحة بجدة.. آنذك كنا لا نزال نستعمل ترمومتر الزئبق والترمومتر الإلكتروني لم يصنع بعد.. عدت من إجازة مدتها أسبوعين وصادف مباشرة عملي يوم الأربعاء وهو اليوم المخصص لعمل دورية شاملة لكل هيئة الأطباء في قسم الباطنية وزيارة المرضى في القسم.. فوصلنا إلى غرفة مريضة شابة تحت اشراف استشاري المخ والأعصاب وهو مالطي الجنسية.. وكان النقاش حار حول سبب ارتفاع درجة حرارة المريضة.. بحكم تدريبي المهني في بريطانيا كنت أطالع المريضة وطبلة المقاييس الذاتية الخاصة.. وبالمناسبة إلى يومنا هذا لا أستعمل إلا ترمومتر الزئبق حيث أنه أدق بكثير عن الإلكتروني ولكن يحتاج إلى أن يوضع تحت لسان المريض لا يقل عن دقيقتان.. رأيت أن المريضة شكلها العام طبيعي جدًا لا يدل على أنها مريضة، وهي منومة لها أسبوعين ويجرى لها جميع الفحوصات من أشعة إلى تحاليل دم وزراعة جميع سوائل الجسم بما في ذلك أخذ عينة من النخاع الشوكي من العامود الفقري وإرساله للمختبر للتوصل إلى سبب ارتفاع درجة حرارة المريضة.

في ذلك الزمان كان يوضع على الحائط فوق رأس كل مريض وعاء يحتوي على محلول معقم يوضع فيه ترمومتر الزئبق ليظل معقمًا.. وكانت الممرضة عندما تقيس حرارة المريضة أو المريض تأخذ الترمومتر المخصص للمريضة من الوعاء وترجه حتى يعود إلى الصفر ثم تضعه تحت لسان المريضة لمدة دقيقتان ثم تقرأ درجة الحرارة وتسجلها في طبلة المريض بعلامة وهكذا حسب تعليمات الطبيب المشرف للمريضة كل ساعة أو كل يوم.. نظرت على الطبلة وفوجئت بأن درجة حرارة المريضة 38 درجة مئوية لا تعلو ولا تنخفض ثابتة على هذه الدرجة في كل الأوقات.. ولم أعلم قط طيلة ممارستي مهنة الطب أن هناك مرض يسبب هذا الارتفاع وتثبيت الدرجة على هذا النحو مطلقًا.. بعد انتهاء النقاش من باقي هيئة الأطباء قلت للجميع: المريضة درجة حرارتها طبيعية.. صاح القسم بصوت واحد قائلا: دكتور عبدالعزيز كيف تقول هذا وأنت ترى المريضة لأول مرة.. قلت الحكم بالبينة ولا بالقول؟.. استدعوا الممرضة لقياس درجة حرارة المريضة أمامنا.. فجاءت الممرضة وحسب الروتين أخذت ترمومتر الزئبق الذي فوق رأس المريضة لتقيس درجة الحرارة فأوقفتها وأمرتها بأن تحضر واحدًا جديدًا.. ففعلت ثم وضعته تحت لسان المريضة وبعد دقيقتان أخرجته وقرأت درجة الحرارة.. فكانت المفاجأة الكبرى.. درجة حرارة المريضة 37 درجة مئوية أي طبيعية.. طبعًا ترمومتر المريضة الذي فوق رأسها على الحائط كان تالف وثابت على درجة 38..

الحكمة من هذا الحدث هي أن الطب منطق وقوة ملاحظة وتدريب للمهنة على أصولها.. وفوق كل ذي علم عليم.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store