Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

الحوار خيار رابح لكسب العقول

A A
تقوم سياسة المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها على دعم الاعتدال، وتشجيع التسامح، والدعوة إلى الوسطية، ونبذ الغلو والتطرف، ورفض كافة أشكال التصرفات التي تدعو إلى العنف، والنأي عن التعصب.. كما فطنت قيادتها الحكيمة إلى أن أبرز الأسباب في ظهور وتفشي ظاهرة العنف والإرهاب التي ابتليت بها معظم دول العالم وتزايدت حدتها خلال العقود الماضية هي غياب ثقافة الحوار، وغلبة التشنج، وعدم وجود جهود حقيقية تجمع المؤثرين من كافة الأديان للتحاور والجلوس إلى مائدة التفاوض، لبحث الطرق الكفيلة بإخراج العالم من هذا المنحدر الذي يسير نحوه، والذي تدفع باتجاهه بعض الدوائر المشبوهة التي لا يهمها إلا سيادة منطق القوة، وتفشي الصراعات في العالم، واستمرار حالة الانفلات الأمني وعدم الاستقرار التي تعاني منها كثير من الدول.

في المقابل عملت القيادة السعودية على إيجاد مخرج حقيقي من هذا الوضع، وبادرت بإنشاء مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، الذي لعب دورًا مؤثرًا خلال السنوات الماضية من عمره، وحقق الكثير من الإنجازات، ونجح في جمع أعداد هائلة من المفكرين والمؤثرين الذين يتبعون لكافة الأديان والثقافات، كما تمكن المركز من توقيع شراكات مع كيانات دولية مرموقة تعمل في مجالات دعم حوار الحضارات وتشجيع السلم العالمي، وأنجز خلال السنوات الماضية مؤتمرات وندوات متميزة في ألمانيا والأرجنتين واليابان، قدم فيها صورة مشرقة عن الدين الإسلامي، ونفى عنه ما حاول البعض إلصاقه به زورًا وبهتانًا من تهم واهية ومزاعم كاذبة.

والمملكة عندما تقوم بهذا الفعل النبيل فإنها تنطلق من مكانتها التي شرفها الله سبحانه وتعالى بها، عندما جعلها مهبط الوحي وأرض الرسالة، لذلك فهي مع قيامها بواجباتها المقدسة في عمارة الحرمين الشريفين، واستضافة ضيوف الرحمن، فإنها تحرص في ذات الوقت على تبيان القيم الحقيقية للإسلام، وتفنيد الشبهات التي يثيرها بعض الكارهين بأنه دين يرفض الآخر ولا يعرف الحوار ويدعو للتقوقع، وهذه الجهود سمحت للآخرين بالاطلاع على سماحة ديننا والتعرف عليه عن كثب، مما كان له أكبر الأثر في تهافت العديد من الجامعات والمعاهد العالمية المرموقة على تبني برامج علمية لتدريس مادة الثقافة الإسلامية وتخصيص درجات عليا للمتخرجين منها.

في الوقت الحالي يعمل المركز بالتعاون مع شركائه على تنظيم منتدى سيعقد بالعاصمة الرياض في وقت لاحق من هذا العام، بعد الانتهاء من جائحة كورونا التي فرضت إجراءات استثنائية، على أن يجمع المنتدى المئات من القيادات المؤثرة من مختلف الديانات، كجزء من الأنشطة التي تقوم بها مجموعة العشرين التي تتولى رئاستها المملكة لهذا العام. هذا الجهد المبارك الذي يهدف لنزع فتيل التوتر في مناطق كثيرة من العالم يأتي بتوجيه مباشر من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- الذي استقبل في شهر فبراير الماضي وفدًا قياديًا من مجلس إدارة مركز الحوار العالمي، وأشاد بعمل المركز في دعم الحوار بين أتباع الأديان والثقافات وتشجيعه.

كذلك يولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان اهتمامًا بالغًا بكل ما من شأنه إيضاح الصورة الحقيقية للإسلام، وتأكيد قبوله للآخر والتعايش معه، ويرفض كافة محاولات الإقصاء والإكراه، ويطالب أتباعه بتجنب العزلة والانكفاء، ويشرف ولي العهد بنفسه شخصيًا على كثير من الجهات العلمية والطوعية التي تقوم بهذا الجهد الكبير.

إضافة إلى ما يقوم به مركز الملك عبدالله من جهود، تحتضن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية كرسي اليونيسكو للحوار بين أتباع الديانات والثقافات، وتقوم بتمويله، لتحقيق مجموعة من الأهداف السامية، مثل التأصيل العلمي للحوار بين أتباع الديانات والثقافات، وبناء ثقافة عالمية تؤمن بالحوار وسيلة للتعايش مع الآخر، وتأهيل كوادر علمية قادرة على مواجهة دعاة التطرف، وتشجيع البحث العلمي المتخصص في الحوار بين أتباع الأديان المختلفة.

هذه الجهود المباركة أسهمت بشكل رئيسي في تغيير الصورة النمطية التي كانت سائدة لدى البعض عن الإسلام، وتأكيد براءته من تهمة الإرهاب، حتى وإن تورط بعض المنتسبين له في أعمال عنف مرفوضة، فكل الأديان شهدت في فترات مختلفة من تاريخها ظهور فئات من أتباعها اتجهت نحو الغلو والتطرف لأسباب متفاوتة. كما أسهمت تلك الجهود في تقديم المملكة بالشكل اللائق بها، كمنصة حضارية متفردة، تؤمن بالأخوة بين كافة البشر، وتحرص قيادتها على إبقائها كما كانت على الدوام، مهدًا للحضارة الإنسانية ومركزًا للإبداع والتميز.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store