Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

النـــذالة

A A
لا تستغرب لانتشار ممارسة النذالة حول العالم.. فللأسف أن مردودها مجديًا.. ملايين المخلوقات تتقنها ومنها طبعًا فيروسات الكورونا الذي أربكت العالم... فضلا لاحظ أن آلية عمل الميكروبات تتمحور حول الاستغلال لصحة البشر ولعافيتهم.. ومن أسوأ أنواع النذالة هي نذالة البشر، وأود أن ألقي الضوء على أحد الجوانب الفريدة للموضوع وهي الجانب العلمي من خلال المثالين الآتيين: نبدأ في القدس عام 73م ومحور قصتنا هو المدعو «يوسف يوس» (واسمه الأصلى يوسف بن ماتيتاهو) وكان من قيادات الجالية اليهودية في القدس، وهو من أهم المؤرخين لتاريخ اليهود القديم.. في تلك الفترة التاريخية كانت فلسطين محتلة من الإمبراطورية الرومانية، وكانت هناك أزمة كبيرة بين اليهود والرومان في بيت المقدس... وانتهت بالتمرد المسلح، وتدمير المدينة المقدسة بأكملها على أيدى الحاكم العسكري الروماني «تيتوس».. وهربت مجموعة مكونة من حوالي تسعمائة محارب من اليهود الثوار إلى حصن «مسعدة» الجبلي في صحراء النقب جنوب القدس وبالقرب من البحر الميت. وفي ذلك الحصن، صمد ثوار اليهود ضد محاولات اقتحام القوات الرومانية لفترة تقدر بحوالي ثلاث سنوات، ولكن الرومان انتصروا واستطاعوا اقتحام الموقع.. وعندئذ قرر اليهود أن يقتلوا أنفسهم بدلا من الاستسلام، ولكن بما أن الانتحار محرمًا في اليهودية، اقترح المدعو «يوسف يوس» أن يكونوا دائرة كبرى، وأن يقتل كل مقاتل الشخص على يساره.. وفعلوا ذلك فعلا مرات ومرات إلى أن بقي شخص واحد... والناجي كان «يوسيفوس» طبعًا... قمة النذالة.

والطريف أن هذه القصة تحولت إلى مسألة رياضية شهيرة.. وقد حاولت شخصيا حلها عندما كنت طالبا ولم أنجح.. ولهواة الرياضيات ستجد الحل هنا https://www.youtube.com/watch?v=uCsD3ZGzMgE

ومن طرائف الجوانب العلمية المذهلة للنذالة أيضا نجد ما قدمه العالم الأمريكي العبقري «فون نوي مان».. كان هذا العالم المجري الأصل هو عماد قسم الأبحاث في وكالة الأبحاث الدفاعية المتقدمة «داربا» التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية في مطلع عصر الحرب الباردة.. فبعدما أثبت الاتحاد السوفيتي قدراته النووية في عام 1949، تم إصدار استراتيجية دفاع نووية أمريكية لم يشهد لها العالم أي مثيل.. كانت تحتوي على العديد من التقنيات المتقدمة، ولكنها كانت تحتوي أيضًا على الجوانب السلوكية المتعلقة بالغدر، والمراوغة، والخداع... سلوكيات لا ترقى لمستوى تعامل دول عظمى حضارية.. ووصف «فون نويمن» بعض من تلك القضايا المهمة في أحد الفروع العلمية الجديدة في وسائل التحليل الرياضي وأطلق عليها اسم «نظرية الألعاب». وكانت إحدى أهم محاورها هي التنبؤ بسلوك النذالة المتعلق بالاستراتيجيات العسكرية، والحرب النووية، والسياسة، وعلم الاقتصاد، والمالية العامة، وعلم النفس.

أمنيــة

خلال فترة جائحة كورونا، يمر العالم بالعديد من الاختبارات ومنها مقدار الشهامة والتعامل الإنساني بين الأقوياء والضعفاء، بداخل البلدان وبينها. وللأسف أن هناك حالات كشفت عن ممارسات غير لائقة على المستوى الفردي، والجماعي، والدولي أيضًا.ز أتمنى أن يقينا الله شرور النذالة بأشكالها وأنواعها المختلفة اليوم وكل يوم.

وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store