ولله ثمّ للتاريخ، لم يكن التقديم آنذاك للوظائف عبْر الإنترنت، بل كان عبْر الحضور الشخصي للجهات الحكومية وشركات القطاع الخاص، والحضور بالمناسبة هو أفضل من وجهة نظري، لأنّه يُعطي تصوّراً حقيقياً للمسؤول عن مدى تفشّي البطالة ونسبتها ومعاناة أصحابها، بينما التقديم عبْر الإنترنت -ولو كان مناسباً لهذا الزمن بِحُكْم كثرة طُلّاب الوظائف- هو تقديم إلكتروني أعمى وأشبه بالشبح الخفيّ، وخالٍ من الأحاسيس التي تتطلّبها الحالات الإنسانية، إلّا ما رَحِم ربّي!.
وأذكر كذلك كيف كان مديرو الشركات يتفنّنون في تفشيلي بالمقابلة الشخصية إن كانت هناك فرصة لوظيفة، وعلى سبيل المثال طلب منّي واحدٌ منهم، وكان من إخوتنا عرب الشمال، أن أتحدّث باللغة الإنجليزية، فلمّا فعلْت وأبْهَرْتُه بإجادتي لها، سألني عن اللغة الفرنسية فأجبتُه أنّني لا أتحدّثها، فأبْدى امتعاضه مثلما يمتعض أبو الفتاة لمن يخطبها وفي نيّته أن يرفضه، رغم أنّ كلّ مشروعات الشركة هي عقود سعودية لا صلة لها بفرنسا، وحتّى لو كُنْتُ أجيد اللغة الفرنسية لسألني عن لغة جزر الواق الواق، فالمهم بالنسبة له هو فبركة مُبرّر لرفض توظيف كاتبكم المسكين!.
ودعوني أبوء بشيء، هو أنّه لولا فضل الله، ثمّ دعاء الوالديْن آنذاك (يرحمهما الله)، لما توسّط قريبٌ لي في جهة عمله ونجاحه في توظيفي بها، والواسطة شئنا أم أبيْنا ما زالت وسيلة ناجعة للتوظيف، وهذا خطأ، والصواب هو أنْ نجعل لكلّ عاطل سعودي ٣ واسطات بدلاً من واحدة، هي:
الله، يتّقيه كلّ مسؤول تشريعي أو تنفيذي في يديه أمانة الوظائف.
ثمّ المُواطَنة التي يستحقّ بها كلّ عاطل سعودي التوظيف الفوري.
ثمّ شهادة العاطل الدراسية ومؤهلاته المهنية.