Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
م . طلال القشقري

أنت متقاعد؟ « رَبِّي دجاج» !!

A A
روى لي صاحبي المتقاعد أنّه يواجه ضائقتيْن، إحداهما مالية بسبب انخفاض راتبه التقاعدي مقارنةً براتبه الوظيفي، وعدم كفايته لحاجاته المعيشية مع ارتفاع الأسعار وتضخّم الفواتير، لا سيّما أنّه يعول أبناءه وبناته العاطلين عن العمل رغم بحثهم عنه بين جنبات القطاع العام والقطاع الخاص، لكنّهم مثل الذي يبحث عن الإبرة وسط كَوْمٍ من القِشّ!.

أمّا الضائقة الأخرى فهي الملل الذي أصابه جرّاء الفراغ، وقد أيقن أنّ العمل هو روح الحياة، وينبغي على الإنسان أن يلازمه طيلة حياته، وأنّ التقاعد هو حالة مُصطنعة اخترعها من اخترعها ضدّ الفطرة، خصوصاً مَنْ مَنَّ اللهُ عليه بالصحّة والعافية، فأوْلى له أن يستمرّ في العمل حتّى يأتيه اليقين!.

وعندما سألتُ صاحبي عن كيفية معالجته للضائقتيْن؟ قال لي وهو يضحك: رَبَّيْتُ دجاجاً! قُلْتُ له: وكيف ذاك وأنت بلا رأس مال؟ وتربية الدجاج تحتاج مزارع نموذجية تُكلِّف الملايين؟ قال لي وهو يُقهقه هذه المرّة: ألديك فِنَاءً في بيتك؟ قُلْتُ: نعم، قال: فَاشْتَرِ ٣ أطباق من البيض البلدي الطازج، ورُصّهُ داخل صندوق خشبي، على وسادة ناعمة، وعلِّق في سقفه مصباحاً كهربائياً يُولِّدُ دفئاً صناعياً، ليكون الصندوق مثل مزرعة تفريخ، وسيفقس البيضُ بحول الله، ويُصبح كتاكيت جميلة، سُرْعان ما تكبر وتصير دجاجاً تأكل منه وتبيع منه، ويا له من عمل مُثمِرٍ يكفيك بعض مؤونتك المالية ويُجنّبك الملل، ومن يدري فقد تُؤسّس شركة دجاج كبيرة في المستقبل، وتطرح أسهمها في بورصة المال وتكسب الملايين عند الاكتتاب وعند التداول، وتُوظّف أبناءك وبناتك العاطلين فيها، ومعهم أفواج من زملائهم العاطلين، وأتمنّى أن تحرص على توطين الوظائف يا رعاك الله!.

وبقدر ما احترَمْتُ صاحبي المتقاعد على مشروعه الصغير، وبقدر ما ضَحِكْتُ منه حتّى استلْقَيْتُ على ظهري من شدّة الضحك، بقدر ما أهيب بمجتمعنا أن يكترث بالمتقاعدين، ويُهيئ البيئة المناسبة للاستفادة من علمهم وخبراتهم المهنية الكثيرة والمتنوّعة، ويُسخّرهم لصالح الوطن، حتّى لا يتحوّلون كلّهم لمُفرّخِين بيض في أفنية بيوتهم، فنحن لا نحتاج للدجاج فقط، بل نحتاج لنقل معارفهم الأشبه بالذهب عند ارتفاع سعره لأجيالنا الشابّة، ونحتاج إليهم لتنمية الوطن وتطويره وتحويله لقوّة اقتصادية تُقارع الأمم، فلا يموتون قاعدين مع البيض المُفرّخ والدجاج والدُخُن، بل قائمين لخدمة الوطن، ولو مرّ مسئولٌ بجوار بيتٍ وسمع فيه نقنقة دجاج فليعلم أنّ فيه متقاعداً نشيطاً ينبغي الاستفادة منه فيما هو أهمّ!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store