Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
حليمة مظفر

هل تقرأ..؟!

A A
سؤال، هناك من سيجيبك بـ«لا» ويُريحك، وهناك من سيجيب بـ«نعم»، ويكون قارئاً نهماً وشغوفاً بالكتب ويلقبه أصحابه بـ»دودة كتب»، لكن هذا المستوى من المعرفة التي حصَّلها من القراءة المكثفة قد لا ينعكس على وعيه الذي يتحكم في سلوكياته، حين يكون متصفاً بالتحجر وهو يناقش أو يطرح ما يُصادر الآخرين، لتمسكه بمعلومة تبرر موقفه الشخصي أو الاجتماعي بغض النظر عن كون هذه المعلومة غير سليمة أو مُختلفاً فيها!، وقد يكون هذا «القارئ» من أصحاب تعليم عالٍ، طبيباً، معلماً وربما أكاديمياً من ذوي الدرجات العلمية العليا، فما هو السبب في عدم تأثير «القراءة» في توسيع إدراكه ورؤيته لاحتواء الآخرين فيها؟!.

ربما لأن هناك فرقاً بين ما يمكن تسميته بـ«فعل القراءة» كفعل قاصر مترهل يعتمد فيه القارئ هدف الحصول على «المعلومة»، وبين «عملية القراءة» المعتمدة على الفهم والإدراك خلال الحصول على المعلومة.

مثل ذلك يعيدنا إلى سؤال قديم متجدد، هل بات «الكِتاب» من يعيش مرحلة مترهلة عربياً من حيث مستوى القراءة كما يُشاع رغم إصدار العديد من الكتب أم أن «عملية القراءة» باتت ممارسة مترهلة؟!.

أتذكر أني قرأتُ منذ بضع سنوات تقريراً صحافياً يشير إلى دراسة وإحصاءات تفيد بأن المعدل السنوي للقراءة لدى الفرد في أمريكا يصل إلى أحد عشر كتاباً، وفي بريطانيا سبعة كتب، أما في العالم العربي فـ«ربع صفحة» للفرد!!، يا إلهي!! أمر صادمٌ حين قرأت هذا الخبر!! هذا يعني لو صدقنا تلك الأرقام أننا نعيش تأخراً وتراجعاً معرفياً في العالم العربي!، وهو أمر طبيعي نتيجة ما يعيشه من ظروف سياسية، ولهذا وجدتُ تلك الدراسة وأمثالها مُجحفة ربما لم تعتمد عينة أكثر دقة في تعاطيها مع الموضوع، فالعالم العربي الذي تعيش بعض مناطقه أزمات اقتصادية وصراعات وحروباً داخلية ونزوح ملايين اللاجئين والجائعين كسورية والعراق وليبيا ولبنان مثلاً لن يكون اهتمامه بتوفير وقراءة الكتاب على نفس مستوى اهتمامه بالخبز والأمن.

لكن ربما باتت عملية «القراءة» مترهلة نتيجة تأثرها كثيراً بعد انطلاق ثورة الاتصالات الحديثة العنكبوتية التي جعلت «قوقل» مثلا يأتي بالمعلومة «بضغطة زر» مما أثر على التعامل مع المعرفة التي كانت مصادرها الكتب والوثائق الرسمية والأبحاث، وبالتالي تأثرت سلبياً عملية شراء وقراءة الكتب والدراسات؛ ورغم أنها توفرت بسهولة في مواقع الشبكة العنكبوتية لكنها من«المطولات» التي لم تعد تتناسب مع لغة السرعة التي بات الناس ينتهجونها؛ إذ أصبحوا يستسهلون قراءة ما يحضره لهم «الشيخ قوقل» من مُلخصات قصيرة أو مقالات تقدم لهم لُب تلك الكتب والدراسات في ثانية على قراءة كتاب أو بحث من 100 صفحة بحثاً عن معلومة!!.. هكذا أصبحت المعلومة هدفاً وتم تهميش تفاصيلها ومصادرها!، مع العلم قد تكون التفاصيل أساس فهم وإدراك ماهيتها! وهذا الاستسهال في التعامل مع المعلومة التي تُعتبر عِماد العملية الفكرية في استنتاج الأحكام وبناء القرارات وتكوين الآراء نتيجة البحث العنكبوتي السريع الذي يتسم بعدم الصحة في كثير من الأحيان؛ هو محصلة لفعل القراءة ـ في رأيي ـ للإجابة عن سؤال واحد هو: ماذا سأقرأ لأحصل على المعلومة؟!، بينما ينبغي أن يكون هناك أسئلة نعتمدها في الوصول إلى المعلومة هي: لماذا سأقرأ بحثاً عن المعلومة؟! ولمن سأقرأ ثم أين للوصول إلى المعلومة؟ لأن المعلومة تتأثر بمصدر ناقلها وخبراته وتوجهه ومستوى تفكيره وتجاربه؛ ثم السؤال: كيف سأقرأ لأفهم المعلومة؟!، هذه الأسئلة ستؤدي إلى «عملية قرائية» تُؤسس للفهم ومن ثم الإدراك وبالتالي سلامة الوعي.

إننا اليوم نعيش عهد تناقل «المعلومة» ليس فقط عبر قوقل، بل عبر ما يتم تناقله في مواقع التواصل الاجتماعي! ونتيجة ما عززه البحث الإلكتروني من كسل معرفي أصيب به كثيرون أدى ذلك إلى تسليم «الوعي» بما يتم تناقله دون تدقيق فيما يتم التسليم به! مع العلم أن كل معلومة تتأثر برأي ناقلها ومستوى تفكيره وتجاربه المعرفية؛ فقد تصلك المعلومة فقيرة جداً أو خاطئة أو محملة بتشنج انفعالي نتيجة فقر ناقلها المعرفي وتشنجه وتوجهه، وقد تصلك المعلومة أكثر ثراء إذ كان ناقلها ثري المعرفة، متعدد التجربة، متراكم الخبرة.

باختصار، لأن المساحة لا تكفي؛ من الأهمية أن ندرك ماذا تعني «عملية القراءة» -في رأيي- لأن «فعل القراءة» جزء من العملية القرائية بما فيها من الخبرات المعرفية لدى القارئ المختزنة في «اللاوعي» ولكي تتم معالجة «القراءة» بما يؤدي إلى سلامة الإدراك؛ فمن الضرورة خلال العملية القرائية استحضار :«ماذا.. ثم أين.. ثم لمن.. ثم لماذا وأخيراً كيف سأقرأ؟!» فمهما كنت كثير القراءة فهذا لا يعني أنك ذا «وعي قرائي سليم» ما لم تكن مجيداً لكيفية تفكيك وبناء ما تقرأ، فاحصاً مدققاً باحثاً عن المعلومة أو الفكرة التي تتوفر لك أسبابها مما تقرأ؛ لا المعلومة أو الفكرة التي تعرفها أنت ولا تصدق غيرها مهما توفرت الأسباب فيما تقرأ!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store