Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. صالح عبدالعزيز الكريّم

القدر الوراثي والتصحيح الجيني

A A
عندما يبدأ خلق الإنسان أياً كان، مسلماً أو كافراً، أبيض أو أسود، شريفاً أو وضيعاً، قبلياً أو حضرياً، يتشكل ويتكون في مطبخ الرحم بقدر من الله ويقدم الى الحياة -كناحية وراثية - من جهتين مختلفتين، وقد يكونان فردين متباعدين جاء الجمع بينهما بأمر الله، من أب لا يصل منه إلا «الكروموزومات» فقط ومن أم يصل منها الكروموزومات ومواد بيولوجية أخرى تسمى سيتوبلازم البويضة يتشكل من ذلك كله الجنين الجديد في مرحلته الأولى (البويضة المخصبة) حيث يعمل السيتوبلازم كحاضنة أولية للمادة الوراثية الأساسية للتكوين وبالتالي تشكيل الجنين وعندها يحصل التقدير في النطفة كما قال تعالى (من أي شيء خلقه من نطفة خلقه فقدره)، فكل ما له علاقة بمستقبل هذا الإنسان يتحدد في هذه النطفة الأمشاج لذلك التقنيات الجينية الحديثة نستطيع من خلالها قراءة الخريطة الوراثية للجنين وهو في مهد البويضة المخصبة وهذا ما نطلق عليه اسم القدر الوراثي (البرمجة الوراثية)، ويشمل فيما يشمل الأمراض والتشوهات الخلقية إن كان هناك جيناتها مرسوماً إظهارها ويشمل فيما يشمل الصفات المتميزة. ومن هنا ومن مرحلة النطفة الأمشاج هذه على الانسان أن يسلم أمره للقدر ويمثل ذلك أحد أركان الإيمان وهو أن تؤمن بالقدر خيره وشره.. فهذا قدر الانسان في حياته وكل ماله علاقة بصحته ويضاف الى ذلك ما يستجد على مسيرته من أقدار وأحداث فكلها أقدار من عند الله ويبقى أن على الانسان أن يصحح مسار القدر منذ لحظة النشأة إن وجد لذلك سبيلاً ويفر من قدر سيئ كتب عليه الى قدر حسن كتب عليه تصحيحه كما قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مواجهة مرض الطاعون» نفر من قدر الله الى قدر الله»، وهذا ما يجب أن يتعامل معه الانسان مع الأقدار الوراثية بأن يصحح مساراتها المرضية خاصة انه بالامكان الآن مع الاكتشافات التقنية الحديثة تجنب عدد كبير من الامراض بالتشخيص المبكر أو المعالجة المبكرة للأمراض الجينية في مستقبل حياة الطفل ومما يمكن تعديله من الأقدار الجينية هو الصحة العامة للإنسان. وقد شرحت ذلك بالتفصيل في مقالة كتبتها تحت عنوان «عدل حياتك تعتدل جيناتك» مما ينتج عنه حياة صحية طيبة ويترتب عليها اطالة عمرية محدودة ويطلق عليه العمر البيولوجي ووضحته في مقالتين لي هما «إطالة العمر بيولوجيا»، و «العمر البيولوجي وتطويل العمر» ومع هذا كله وهو شيء محدود جداً يبقى التقدير الجيني في النطفة محل تحقق وظهور في الحياة لأن هناك جينات مرضية سائدة لا ينفع معها التصحيح وهي من اقدار الله التي ينبغي أن يسلم لها الإنسان نفسه لانه قدره وله معالجتها إن وجد لذلك سبيلاً تحقيقاً للأمر الشرعي لقوله عليه السلام (تداووا عباد الله).
اليوم بفضل الله ثم بما فتح الله على الإنسان من إمكانية التشخيص المبكر وبما توصل اليه من معرفة للمئات من الامراض الجينية وتم تحديدها على مواقع المورثات وبالتالي معالجتها فإن ذلك ساعد كثيراً في التصحيح الجيني وجنب الإنسان امراضاً وراثية بما يساعده على أن يحيا حياة طيبة وسليمة وخالية من العلل، فسبحان من بيده تقدير الامور ومن خلق فسوى وقدر فهدى.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store