Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

حكاية الصادق الذي انتصر على فيروسات السياسة وهزمته كورونا

إضاءة

A A
على كل المستويات السياسية والثقافية والفكرية والإنسانية، خسرت الأمة كلها رمزاً من رموزها التاريخيين هو الإمام الصادق المهدي. ولم يبالغ السفير روبرت فان دن دول، رئيس بعثة الاتحاد الأوربي في السودان، وهو ينعيه قائلاً: كان المهدي رجل دولة، وشخصية دينية، ومفكراً، وداعماً للمدنية، وحقوق الإنسان، والحوار بين الأديان، والديمقراطية في السودان. كان صديقاً لأوربا والسلام والعالم. وفي كل ظروف السراء والضراء، أظهر الإمام المهدي قوة وإرادة قوية نحو تحقيق قضاياه النبيلة.

والواقع أن الإحساس بخسارة الصادق المهدي، سيبدأ من اليوم، ليس في السودان وأفريقيا فقط، وإنما في كل البلدان التي ستفتقد حكمته وتسامحه، ودعوته الدائمة للصفح والانسجام، ونبذه للفرقة والانقسام.

لقد أشفق كثيرون وأنا واحد منهم على الصادق المهدي بعيد خلع الرئيس البشير، وما أعقبه من تغييرات حادة على المستويين الداخلي والخارجي، لكن ظهور الرجل بعدها في أكثر من موقف ومناسبة، أثبت أنه وأمثاله هم بالفعل عملة أصيلة ونادرة.

هكذا قاتل الصادق المهدي حتى الرمق الأخير، مواجهاً ومقاوماً ومنتصراً على كل الفيروسات السياسية النفعية الضيقة، قبل أن يهزمه كوفيد 19 وهو الذي ظل يروضه، قبل أن تفيض روحه لبارئها جل شأنه.

لقد كتب الصادق قصته مع فيروسات الحياة بما فيها كورونا، وهي قصة تستحق التأمل قبل إخراجها في فيلم روائي طويل وجميل.. يقول الرجل:

نشأت في ظروف اجتماعية جعلت كثيرين يعتبرونني وُلدت لأتناول صفو الحياة بملعقة من فضة، لأنشأ ابن ذوات أشبه بما قالته الحكيمة السودانية شغبة لابنها حسين: انا ماني أمك وأنت ماك ولدي، بطنك كرشت جسمك خرشك ما في. ولكن الذي حدث لي بالفعل أني تناولت الحياة فعلاً بملاعق من حديد حامٍ تشوي القلوب والجلود: سجنت 8,5 عاما، وحوالي 12 عاماً منفى، ومصادرة مرتين، وحكم بالإعدام مرة، واتهامات عقوبتها الإعدام ثلاث مرات في يونيو 1970م، وفي مايو 2014، وفي أبريل 2018م.

ويمضي يقول: إن ما تعرضت له من مشاق دفعني لاجتهادات نضالية وفكرية غير مسبوقة في جيلي: انتخابات لرئاسات وأنا في نعومة أظفاري، ويعلم الله فرضت علي بإرادة الجماهير لا بتدابيري. وألفت من الكتب في شتى الموضوعات ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة، ووضعت على صدر مكتبي قول الحكيم:

على قدر فضل المرء تأتي خطوبه ويحسن فيه الصبر فيما يصيبه

فمن قل فيما يلتقـــيه اصطبـــاره لقد قل فيما يرتجيـــــه نصيبه

ولكن لا يمكن لشخص خاصة في بلادنا أن ينال حظاً مرموقاً ينجو من إبر النحل التي أحبطت بعض أحبابي، ولكن توالى غيث ضمد الإبر بالعسل، فأرسل لي حبيب بشارة منامية، سلمني رسالة مفادها (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ)، وآخرون أرسلوا رسائل عزاء:

لا نبالي بحاسد وعدو فمن عادة الفضل أن يعادى ويحسد.

وهضمت وقع النبال بأنها إما نقد يفيد من باب: رحم الله امرأ أهدى لنا عيوبنا، أو هي جائرة تدر عليّ عطفاً.

ومن أدهش ما منيت به مقولة: الصادق أعجوبة! وأنه لا يمرض.

يقول الصادق: ههنا أقف عند المحطة الراهنة في حياتي حيث أصبت بداء كورونا منذ 27 أكتوبر 2020م، فاجعة مؤلمة وضعتني في ثياب أيوب (إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين) . من ظن أنه لا يخطئ فقد أمن مكر الله. وأنا منذ دهر أردد في صلاتي: اللهم إنك تتودد إلي بنعمك وأتبغض إليك بالمعاصي، ولكن الثقة بك حملتني على الجراءة عليك فعد بفضلك وإحسانك علي إنك أنت التواب الرحيم.

اللهم أسكنه جنتك، وتغمده برحمتك.. وداعاً للصادق المهدي!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store