Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

الثقافة وعقوق الصحافة!

A A
فاجأت صحيفة القبس الكويتية -الأسبوع الماضي- المشهد الثقافي بإصدارها ملحقًا ثقافيًّا لافتًا -مضمونًا وإخراجًا- في (٢٤) صفحة، متضمِّنًا «مواد ثقافية وفنية وفكرية وحوارات ومجموعة من النصوص الشعرية والقصص ورسائل ثقافية». المفاجأة ليست في الفكرة، ولا في قيمة المواد، ولا في جماليات الإخراج؛ وإنما في ظهور الملحق في هذه الفترة (الصعبة)، وهي الفترة التي شهدت أُفول معظم الملاحق والصفحات التي تُعنى بالشأن الثقافي وهمومه وقضاياه وإشكالياته. هذا الأفول بدأ منذ ما يقرب من العَقد؛ حينما زاحمت وسائطُ الإعلامِ الحديثةُ الوسائطَ التقليديةَ، ما أدى إلى انخفاض حاد في العوائد المالية للصحف، انعكس على استمرارية محرريها وبالتالي موادها -وخاصة الثقافية- وعلى العدد الكلي لصفحات الصحف التي تقلصت لأدنى حد، على حساب الصفحات الثقافية. على هذا رأينا كيف أصبحت بعض الملاحق الثقافية في بعض الصحف الرائدة في طي النسيان، ورأينا كيف ألغت بعض الصحف صفحاتها الثقافية كليًّا، وبعضها اكتفى بصفحة ثقافية (إخبارية)، وبعضها لازال يقاوم ويصدر بشكل (شبه مستمر) في حدود الإمكانات المتاحة. إصدار صحيفة القبس لملحقها الثقافي أراه يشي بأمور؛ منها: أن حالة التفاعل الكبيرة مع الملحق من قِبل المثقفِين في الوطن العربي تدل على رسوخ الثقافة وتجذرها، وإنها وإن فقدت الوسيلة فإنها لاتزال حية في أرواح المثقفِين، ومنها أن الثقافة تشكل علامة فارقة في أي مطبوعة، وهو الأمر الذي فطنت له بعص الصحف فأبقت على أقسامها وملاحقها الثقافية وطوَّرتها، وبعض الصحف -كالقبس- استحدثت ملحقًا ثقافيًّا، ومنها أن الثقافة تظل الوعاء الأوفى للأفكار النيرة البناءة التي يطرحها المثقفون، وبالتالي فالصحف -عبر الثقافة- تمارس واجبها الوطني في رقي المجتمعات ثقافيًّا وفكريًّا حينما تُفسح المجال للمثقفِين أصحاب الرأي الهادف والفكر النير. ثم إنه ينبغي ألا يغيب عن أذهاننا أن الصحف قامت أول ما قامت على أعلام الأدباء وأدب الأعلام، منذ ظهورها في عهد ما يسمى بصحافة الأفراد، وعلى هذا يأتي السؤال عن حالة عقوق الصحافة مع الثقافة، مع إبقائها الأقسام الأخرى؟!، هنا أقول: لو أن الصحف الورقية مازالت مبيعاتها كما كانت في فترتها الذهبية -أو أنها تضاعفت- لقلنا إن إبقاءها صفحات تلك الأقسام غير الثقافية على حساب الثقافة إنما هو من باب الاستثمار؛ طمعًا في أكبر عدد من المبيعات، لكن الحاصل أن الصحف (جميعها) صارت تُقرأ من خلال شاشات الأجهزة الذكية، بالتالي فلا عوائد من وراء القراء مهما كانت كثرتهم في بعض الأقسام. ومادام أن الحال هذه فالمأمول من الصحف أن تعتني بالصفحات الثقافية التي ربما أن قراءها يفوقون قراء صفحات أكثر الأقسام. أمر آخر وهو أن القضايا والإشكالات الثقافية لا تنتهي بل هي في ازدياد مثلها مثل قضايا الرياضة والسياسة، وقد تكون أسخن منها وأكثر استمرارية؛ إذ ليس لها مواسم نشاط وفتور. ثم إن المواد الثقافية من الوفرة بمكان ما يجعلها تستحق أن تُفرد لها صفحات دائمة وملاحق ثابتة، وإذا كانت لدى الصحف القدرة المالية على تمويل أقسامٍ -يأتي قراؤها (كمًّا) بعد قراء الثقافة- فإنه ينبغي عليها أن تلتفت للثقافة ولا تتراخى في دعمها بناءً على المعطيات السابقة. العجيب في الأمر أنه في الوقت الذي وُلدت فيه وزارة الثقافة وتعددت قطاعاتها وتنوعت هيئاتها، وأخذت الثقافة مكانها في اهتمام السُّلطة العليا، وزادت أنشطتها، وتعددت ملتقياتها وفعالياتها، وكثرت الأسماء الثقافية الرائعة بامتداد الوطن -وهو ما يعني ثراء المشهد الثقافي- نجد أكثر الصحف تُدير ظهرها للثقافة التي تظل هي روحها الفاعلة ومؤشرها الأصدق.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store