Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سهيلة زين العابدين حماد

زينة المرأة في مناهج الثقافة الإسلامية في بعض جامعاتنا

A A
في كتاب «نظام الأسرة في الإسلام المقرر في مادة الثقافة الإسلامية في إحدى جامعاتنا، تمّ التطرّق إلى زينة المرأة، والذي استوقفني في هذا الموضوع الآتي:

1. الاستدلال في مراتب زينة المرأة بآيات لا علاقة لها بها؛ إذ استوقفني ما جاء في تصنيف مراتب إبداء المرأة زينتها؛ حيث تم الاستشهاد بآيات في غير مواضعها: منها الآتي:

أولاً: المرتبة الأولى: إبداء الزينة الفاتنة الكاملة، وتكون أمام الزوج (هنّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنّ)[البقرة:187]، وإبداء الزينة هنا مأمور به، مندوب به.

هذه الآية لا علاقة لها بزينة المرأة، فذكر لباس لا يعني زينة المرأة، فالآية تتحدث عن سمو العلاقات الزوجية، فقد جعل الله جل شأنه أركان الزواج السكن والمودة والرحمة، وأكدّ عليها في قوله تعالى: (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ)، ليشمل القرب والملاصقة والستر والتجميل والغطاء والوقاية من الحر والبرد، ومن كل ما يعترض حياتهما من عقبات وأزمات ليكون كل منهما للآخر بمثابة اللباس الذي يستره، ويقيه الحر والبرد، وهو كناية عن أن يكون كل منهما سترًا للآخر في السراء والضراء، فالزوجة ستر لزوجها، والزوج ستر لزوجته، وبهذا يرتفع بمشاعر الإنسان عن المستوى البهيمي في الوقت الذي يلبي فيه كل منهما متطلبات جسده، فكلا الزوجين بهذا المعنى أمانة في عنق الآخر يُسأل عنها يوم القيامة (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة:228]، لذا جاءت تسمية عقد الزواج بالميثاق الغليظ (وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا)، ومن هنا جاء الأمر بالعشرة بالمعروف، حتى لو كرهها الزوج (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)، بل لها إن طلّقها أن يعطيها حقوقها وبإحسان (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) [البقرة:229]، لتكون الحياة بينهما مستقرة هانئة مُبينًا أنّ لكل من الزوجين حقوقًا على الآخر.

ثانيًا: وحب التزين فطرة لدى المرأة، قال تعالى: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) [الزخرف:18]

لا يعني ذكر(حلية) أنّه خاص بزينة المرأة، فربط كلمة (حلية) بزينة المرأة ابتعد عن المقصود بالآية الكريمة، فمقصد الآية أنّ كل من يُنشّأ في الزينة والترفه دون تحمّل أية مسؤولية، ودون تعليم وتثقيف وتدريب على استعمال العقل والحجة سيكون ضعيف الحجة والبيان، وهذا ليس خاصاً بالنساء كما يقول المفسرون، ولكنه يشمل الرجال أيضًا، فيوجد من الرجال ممن نشأوا في القصور على الترف والبذخ ممن يتصفون بضعف العقل والحجة، فـ(رضية بنت التمش): ملكة من ملكات الهند كانت ذات سلطة ونفوذ وإدارة. ارتقت المُلك في 18 ربيع الأول سنة 634هـ /1236م بعد خلع أخيها ركن الدين فيروز شاه، وهي خامس ملوك دولة المماليك بالهند، وقد أبى الأمراء في أول الأمر أن يقسموا لها يمين الطاعة، ولكنها بحزمها وحسن تدبيرها تمكنت من إخضاع البلاد كلها لسلطانها، وكانت السلطانة رضية تملك كل الصفات التي تؤهلها لتولي الملك، وإدارة شؤون المملكة، فكان والدها إذا تغيب في حروبه ينيبها عنه في إدارة أعمال حكومته مفضلًا إياها على أبنائه الذكور، ولمَّا سأله أمراؤه لماذا اختار ابنته بدل أحد أبنائه في نيابة المملكة، أجاب: إنَّ أولاده انهمكوا في الشرب واللعب فإدارة المملكة صعبة عليهم، أمَّا رضية بيكم -لفظة فارسية معناها أميرة- فمع أنَّها امرأة لكن لها عقل وقلب رجل، ولمَّا تبوأت عرش المملكة أظهرت من حسن الإدارة ما يؤيد هذا الوصف عنها فإنَّها خلعت الملابس النسائية، ولبست الحلة الملكية وشرعت تباشر أعمال المملكة بنفسها وتنظر في القضايا المعروضة عليها، وتفصل فيها بالعدل والقسطاس المستقيم، وكثيرًا ما قادت جيوشها بنفسها، وتآمر أخوها على خلعها، حسداً منه لما بلغت من مكانة، ولم يفلح، وتوفيت سنة 637هـ/ 1239م [أعلام النساء لكحالة،1/448ـ 451].

ثالثًا: والشريعة لم تمنع المرأة من التزين على الإطلاق، قال تعالى (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [الأعراف:32].

وهذه الآية لا علاقة لها بتزين المرأة، إنّها تتحدّث عن زينة الله التي أخرج لعباده، وطيبات رزقه، للذين صدّقوا الله ورسوله، واتبعوا ما أنزل إليه من ربه، في الدنيا، وقد شاركهم في ذلك فيها من كفر بالله ورسوله وخالف أمر ربه، ولكنها خالصة يوم القيامة للذين آمنوا بالله ورسوله لا يشركهم في ذلك يومئذ أحدٌ كفر بالله ورسوله وخالف أمر ربه. [انظر تفسير الطبري للآية].

فلستُ أدري كيف يقع معدو منهج جامعي يُدرس في جميع أقسام وكليات جامعة عريقة في مثل هذه الأخطاء الفادحة؟، وكيف فاتت على مراجعي الكتاب هذه الأخطاء؟!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store