Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سهيلة زين العابدين حماد

معنى نظام الأسرة ومقاصده في مناهج الثقافة الإسلامية في جامعاتنا (2)

A A
أواصل الحديث عن معنى نظام الأسرة ومقاصده في مناهج الثقافة الإسلامية:

1. إلغاء قيمة عمل المرأة في مجتمعها وتنميته وتطوره، وفي بناء الحضارة الإنسانية، وذلك من خلال هذه العبارات:

«والإنجازات والمكاسب الأخرى خارج إطار الأسرة تمثل للمرأة المسلمة إضافات جميلة لحياتها تزيدها سعادة ورضا وثقة، لكنها لا ينبغي لها أن تمثل أصل الحياة الكريمة التي تسعى إليها، لأنّها ليست سر سعادة الإنسان».

2. عدم مراعاة مؤلفي تلك الكتب مدى احتياج المرأة للعمل عند طلاقها، أو فقدها المعيل للوفاة أو العجز، فتضطر قبول أي عمل قد لا يتناسب مع مؤهلاتها أو وضعها الاجتماعي لحبس زوجها لها عن العمل، بإعطائه حق منعها من العمل، فمن مؤلفي تلك الكتب، من يقول: «وأمّا الاستجابة الحاضرة والرضوخ لأي عمل دون تمييز له فيعني تعريض المرأة لما قد يحط من قدرها، ويُحركها كما يُحرِّك الإنسان الآلة التي صنعها بيديه، وهذا استبدال للأعلى بالأدنى، وهو أمر مستنكر في كتاب الله، قال تعالى (قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) [البقرة:61]

3. استخدام مؤلفي الكتاب مصطلح «المادية المُغالية» والإكثار منه لينسبوا خروج المرأة المسلمة للعمل للمادية المُغالية، متجاهلين دور المرأة المسلمة في تأسيس الدولة الإسلامية وبناء الحضارة الإسلامية بمشاركتها في الحياة العامة في مختلف مجالاتها الدينية والسياسية والعلمية والحربية والاجتماعية، فيقولون: «فالمادية المغالية نظام يستهدف الصور الإيجابية الحقيقية للمرأة داخل أسرتها، ويحاول تستطيح معناها، ويجعلها ضمن الأعمال غير المُنتجة، لأنّها مرتبطة بالجانب الروحي والمعنوي والإيماني الذي انقطع عنه هذا النظام، وحبس نفسه داخل أسوار المادة، ولم يسع لتلمس ما هو أسمى وأرفع من حظوظ الدنيا».

ويستمرون في الحديث عن المادية المُغالية، فيقولون:»والمادية المُغالية نظام ينطلق في مناقشة عمل المرأة من المساواة المطلقة بين الجنسيْن التي لا يُعترف فيها بأي حقوق للمرأة على الرجل، وإنّما الكل يدور في رحى الصراع المادي سواء، للمرأة ما للرجل، وعليها ما عليه. والمادية المغالية تعد الطبائع المختلفة للجنسين وليدة مجتمع فرض عليهما أدوارًا مختلفة، وبدعة مجتمعية حصلت من التنشئة».

6. ألا تخرج من بيت زوجها بغير إذنه:

1. القول بأن لا تخرج الزوجة من بيتها بغير إذن زوجها مبني على أحاديث موضوعة، منها:

• «أيما امرأة خرجت من بيت زوجها بغير إذنه، لعنها كل شيء طلعت عليه الشمس والقمر، إلاّ أن يرضى عنها زوجها»

هذا الحديث موضوع . الديلمي (1/2/353-354) من طريق أبي نعيم عن أبي هدية عن أنس مرفوعًا، ويقول الشيخ محمد ناصر الألباني:» قلت: وهذا موضوع، وأبو هدية اسمه إبراهيم بن هدية ـ متروك، حدَّث بالأباطيل عن أنس.[محمد ناصر الألباني: سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها على الأمة، 4/56، حديث رقم 1408، 1988م، مكتبة المعارف، الرياض.]

• وحديث «أيما امرأة خرجت من غير أمر زوجها كانت في سخط الله حتى ترجع إلى بيتها، أو يرضى عنها»، موضوع أخرجه الخطيب في»تاريخ بغداد» (6/200/-201) من طريق أبي نعيم الحافظ بسنده عن إبراهيم بن هُدية: حدثنا أنس مرفوعًا ذكره في ترجمة إبراهيم هذا وقال:»وحدّث عن أنس بالأباطل.»

2. تقرير مؤلفي أحد تلك الكتب «فإنّ الأصل في المرأة أن تمكث في بيتها، ولا تخرج إلّا لحاجة امتثالاً لقوله تعالى: (وقرن في بيوتكن) [الأحزاب:33] فإن أرادت الزوجة الخروج لحاجتها فإنّها تستأذن زوجها لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أستأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا لهنّ» [متفق عليه. صحيح البخاري(865) وصحيح مسلم (442)].

ما تقدم يخالف طبيعة المجتمعات البشرية منذ بدء الخليقة إلى عصرنا الحاضر، فالمرأة شريكة الرجل في تحمّل أمانة الاستخلاف وإعمار الكون، والبناء الحضاري الإنساني، فالمرأة كانت ولا تزال تعمل في الرعي والزراعة والتجارة، ومختلف الحرف اليدوية، وحقّقت إنجازات في مختلف المجالات والعلوم في مختلف العصور والمجتمعات.

وقد بيّنتُ في مقالات سابقة عند قراءتي للمناهج الدراسية لمادة التاريخ في مراحل التعليم العام (الابتدائية والمتوسطة والثانوية) دور وإنجازات المرأة المسلمة في البناء السياسي والحضاري والاجتماعي للدولة الإسلامية منذ نشأتها في العهد النبوي حتى عصرنا الحاضر، هذا الدور الذي غيبّه معدو تلك المناهج.

فعلى أي أساس يقرر مؤلفو هذا الكتاب -مع تقديري لهم- أنّ الأصل في المرأة أن تمكث في بيتها، ولا تخرج إلّا لحاجة، أمام هذه الوقائع والشواهد التاريخية التي سجّلت مشاركة الصحابيات الجليلات في الحياة في جميع مجالاتها بما فيها القتال؟.

وبأي حق يحدد لها مجالات العمل التي تعمل فيها، وقد حباها الخالق مهارات وقدرات تؤهلها للتخصص في مختلف المجالات، والإبداع فيها، وقد سجّل تاريخ الإنسانية ما قدمته من إنجازات واختراعات وإبداعات في مختلف المجالات، وكان للمرأة المسلمة نصيب منها، وقد سجّل لنا التاريخ الإسلامي مشاركاتها وإنجازاتها في مختلف مجالات العمل، بل تولت الحكم، ويوجد نساء مسلمات حاكمات.

للحديث صلة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store