Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
حليمة مظفر

لا تُصدِّقوا ما غنَّته أمُّ كلثوم .. «فما أطال النوم عمراً..»!

A A
لا تصدِّقوا ما قاله الخيام وغنَّته أم كلثوم:»فما أطال النوم عمراً ولا قصَّر في الأعمار طول السهر»، لأن العلم يقول لكم: النوم يطيل العمر فعلاً والسهر يُقصر في الأعمار!.

وليس لأني من الكائنات الصباحية التي تنام مع الطيور ليلاً، لكني أجهل سبب تعامل أكثرنا بعدوانية مع النوم ليلاً!، فبعد أن قلب»توماس أدسون» ليلنا نهاراً باختراعه للمصابيح الكهربائية؛ أصبح أغلبنا يحمل فكرة خاطئة عن النوم كإهداره للوقت كوننا لا نمارس سوى الأحلام!، والحقيقة أنه حين نصل إلى مرحلة الأحلام فهي إشارة نوم صحّي؛ تأتي بعد مرحلة النوم العميق، وتُسمى نوم حركة العين السريعة كما أشار»ماثيو ووكر» عالم الأعصاب وأستاذ علم النفس البريطاني مؤلف كتاب (لماذا ننام!؟)!.

وقد أظهرت دراسة نشرتها»سكاي نيوز» منذ عامين بأن السعوديين من الشعوب الخمسة الأوائل التي سجلت مستوى أدنى في نسبة النوم على مستوى العالم، بمتوسط لا يزيد عن 6 ساعات يومياً! وبلا شك الظروف المناخية تلعب دوراً مهماً في تكوين عاداتنا اليومية، فأكثرنا يقضي مشاويره وزياراته ليلاً اتقاء حرارة الشمس؛ جاعلين النهار مرتبطاً بالعمل والمدارس فحسب، فينام أغلبهم في وقت متأخر ليلاً؛ أو»المواصلة» للصباح لأجل العمل أو الدراسة وبعد الظهيرة يلجأ إلى فراشه!، وهؤلاء معظمهم لا تأخذ أجسادهم ما تحتاجه من النوم، وإن ناموا ثماني ساعات نهاراً!، ليس هذا تنظيراً أو مثالية إنما هو ما أثبتته الدراسات ويتحدث به علماء الأعصاب ممن توصلوا إلى نتائج مهمة ترتبط بالأمراض وشيخوخة أجسادنا وعلاقتها بالنوم؛ وقد نتذكر أهم التوصيات التي سمعناها خلال جائحة كورونا «النوم جيداً» لرفع مناعة الجسم لمقاومة فايروس كورونا إذا ما داهمنا.

لكن المسألة لا تتعلق بمجرد النوم أياً كان، بل النوم ليلاً وأخذ الحاجة الكافية منه بما يقدره العلماء للبالغين بثماني ساعات تقريباً؟!، فما لا نعرفه أنه حين ننام ليلاً هناك عمليات معقدة تحصل لأجسادنا تحتاجها وهي لا تتحقق إلا بالنوم ليلاً، يقول البروفسور راسل فوستر وهو أستاذ علم الأعصاب وأحد الدارسين للنوم وعلاقته بالأعصاب في حديث بعنوان: (لماذا ننام؟!)، عبر منصة (TED TALKS) أن النوم ليلاً يعمل على عملية الترميم في الجسم؛ فجميع ما أحرقناه خلال النهار تقوم أجسادنا باستعادته وتعويضه وإعادة بنائه خلال الليل بأوامر من تفاعلات عصبية في الدماغ لا تعمل سوى في الليل تتعلق بالترميم والمسالك الأيضية!،ليس هذا فحسب بل يقول: «الإجهاد المستمر المرتبط بفقدان النوم هو المشكلة، حيث يؤدي إلى كبت المناعة، وبالتالي الأشخاص المتعبون لديهم معدلات أعلى بشكل عام للإصابة بالعدوى!»، وأشار إلى دراسات أثبتت أن الذين تتطلب أعمالهم العمل ليلاً لديهم معدلات أعلى في الإصابة بالسرطان!، وهو ينطبق أيضاً على من يسهرون ليلاً لمجرد المتعة، فهم عرضة للإصابة بالسرطان وأمراض السكري والسمنة والقلب والأوعية الدموية كنتيجة لزيادة ضغط الدم كون الجسم مجهداً لعدم أخذه ما يكفيه من النوم!، وفي الليل تحديداً!، ناهيك عن قلة التركيز وضعف الذاكرة وتسريع الشيخوخة، كل ذلك نتيجة إهمال النوم الذي يعتبر حاجة فسيولوجية مثل الأكل والشرب والتنفس، واختلاله اختلال لفسيولوجية وظائف الجسم!.

والسؤال:لماذا علينا أن ننام ليلاً؟!، يتحدث عدد من العلماء بأن في تجويف الدماغ غدة صغيرة تسمى»الغدة الصنوبرية» مسؤولة عن تنظيم وقت الجسم (الساعة البيولوجية) وتفرز في الدم هارمون (الميلاتونين) فقط خلال النوم ليلاً وتعرض الجسم للظلام، وهذه الوظيفة تتأثر بوصول الضوء إلى جلد الجسم كمُنبه لها؛ فما أهمية هذا الهرمون لنا؟.. يتمثل في دوره الكبير برفع مناعة الجسم بتنشيط الأنزيمات المضادة للأكسدة، فيساعد على حماية الخلية من التحطم والطفرات الجينية الضارة التي تؤدي إلى نشوء السرطان، كون (الميلاتونين) الذي لا يُفرز إلا في ظلام الليل خلال النوم يعمل في تنشيط موت الخلايا المبرمج للتخلص من نفسها في حال وصولها للانتهاء أو وجود خلل بها، وحين يكون هناك اضطراب في نظام الجسم لفترات طويلة في النوم نهاراً بدلاً من الليل يؤدي ذلك إلى انخفاض نسبة هذا الهرمون الذي يحمي الخلايا في الجسم من الخلل السرطاني، ويؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بالسرطان!.

ولذلك من المهم أن نعرف بأننا حصلنا على الوقت الكافي من النوم، كيف!؟ كما يقول فوستر: «ببساطة حين تحتاج إلى منبه لتغادر سريرك بثقل صباحاً، وتحتاج للكثير من المنبهات حتى تبقى أكثر تركيزاً، أو كنت ممن يتصفون بسرعة الغضب أو أخبرك زملاؤك أنك تبدو شاحباً ومتعباً!، كل هذا يعني أنك تعاني من قلة النوم»!

أعتقد علينا أن نأخذ النوم بجديّة أكبر للمحافظة على الصحة التي هي رأس مال الإنسان الحقيقي؛ فبدونها لن تستمتع بمال ولا بنين ولا بالحياة خاصة مع التقدم في العمر، وإلا ستدفع ثمن ذلك السهر المتواصل والإجهاد لجسدك باهظاً.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store