Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
علي أبو القرون الزهراني

السياسة... على الطريقة العربية..!!

A A
.. السياسة هي (لعبة) السياسيين، وأخطر ما في اللعبة السياسية -وفي السياسة العربية على وجه التحديد- أن السياسي يحاول أن يقود العامة قيادة جمعية ويشكل منهم رأياً عاماً وفق توجهاته ومصالحه حتى وإن تعارضت مع المصالح الوطنية العليا.

ولذلك ظهرت التناقضات داخل الشارع العربي، في طرفه من يردد: «الشعب يريد إسقاط النظام»، وفي الطرف الآخر من يرد: «بالروح، بالدم، نفديك يازعيم».

وما بين الطرفين ساسة يستخدمون «سياسة القطيع» واستثمار الغوغائية بطريقة موجهة لتحقيق مصالحهم على حساب الشعوب ولو أدى ذلك لتدمير العقل العربي، وآخرون يتملقون بالمصطلحات الفضفاضة.

وقد نجح ساسة المصالح في تدمير شعوبهم ولم يفلح ساسة المصطلحات في تحقيق القيم الأصيلة كالحرية والعدالة داخل المجتمعات العربية لأنهم (أدعياء) فقط...!!.

*****

.. والسياسة مع هكذا سياسيين هي التي ورَّثت البلاد العربية كل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وكل هذه الصراعات والفتن.

وهي من جعلت الإنسان العربي يركض طول عمره خلف رغيف الخبز ويفقد قدرته على تحقيق ذاته...!!.

*****

.. لقد اخترقت السياسة بيوتنا ومجالسنا وعقولنا وألسنتنا واستحوذت على كل اهتماماتنا، أصبحنا على اختلاف مكوناتنا نتحدث عن السياسة وننظِّر في السياسة وننام على السياسة ونصبح عليها.

هل نجح الإعلام في التسويق للسياسة؟، هل تبدلت اهتماماتنا فأصبحت السياسة تحل أولاً؟، هل أصبح الإنسان العربي أكثر إدراكاً بخطر السياسة وأثرها على وطنه وعلى حياته؟، هل ما يعانيه العربي من مشكلات الإحباط والانهزام والبطالة والفقر والحروب والدمار جعلته متابعاً سياسياً بامتياز؟.

أسئلة كثيرة أجدها متداخلة ومترابطة.

لكن في عموم الأمر فعندما تصل السياسة إلى راعي الإبل وبائعة الحناء فإن ذلك ليس بالضرورة مؤشراً على ارتفاع الوعي العربي بقدر ماهو دليل على حجم الهم الذي يعيشه الإنسان العربي...!!

*****

.. راعي إبل في ضواحي مكة المكرمة ذهبتُ لأشتري منه حليباً فصدمني بثقافته، قال: «الناس انقسموا على أنفسهم في موضوع التطبيع، يا أخي من سنة 48 م ونحن نركض خلف هذه القضية، ضيعنا عمرنا وحالنا ومالنا، وتعطلت تنميتنا وتضررت شعوبنا، وبعد ذاك ما استفدنا شي، مشردين ومتغربين ولاجئين، والقضية على حالها، يا أخي ما تخلوا الناس تطبع وتعيش في سلام والدول تلتفت لنفسها»....!!

*****

.. وفي ذات المساء حضرت مناسبة عند صديق، وجدت مجموعة أعرفهم (بسيطون جداً جداً)، كانوا يحللون نتائج الانتخابات الأمريكية وتحدثوا عن ترامب وبايدين والديمقراطيين والجمهوريين والتصويت والتداعيات والآثار المتوقعة.

هؤلاء ذكروني بمرة كنت أمرُّ من أحد الأزقة الشعبية في سوق العتيبية بمكة أيام غزو صدام للكويت، فرصدت أذناي حواراً بين اثنتين من بائعات الحنا متقابلات، قالت الأولى: «بوش جاك، والله ليسحبه من أذنه ويخرجه»، ردَّت الثانية: «والله ما يقدر في صدام».

مضيت وبقدر ما أدهشتني السياسة إلى أين وصلت، لم أخفِ إعجابي بجرأتنا في الحديث عنها وفي أي مكان ونحن العرب الذين كنا في زمن الستينيات من جماعة (المشي جنب الحيط) خوفاً من صاحب البالطو والنظرات من داخل الجرائد المثقوبة..؟!!.

*****

أخيراً وبعيداً عن بسطاء السياسة، فإن للأسئلة الحرَّى بقايا وزوايا:

.. من يصرف الإنسان العربي عن همومه الحقيقية؟

من يجعل الإنسان العربي يقتات السياسة بدلاً من رغيف الخبز؟

من يجعل الإنسان العربي أسير مشكلاته؟

من يجعل الإنسان العربي لا يثق بذاته ولا بقدراته؟

من حوَّل هذا الإنسان العربي الى تائه يتلمس وجوده وطريقه في تبعية الآخر ويسهل قياده؟

باختصار: من حوَّل عربيَّ الخيل والليل ونظريات ابن سينا والفارابي الى مسخ لا يشبه حتى ذاته؟

بالتأكيد ليست هي السياسة وحدها...!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store