الإنسان ثلاثة في واحد.. الإنسان كما خلقه الله، وكما يرى نفسه، وكما يراه الآخرون.
وحديثي عن هذا الرجل يدخل ضمن الرأي الثالث، فأنا لا أزكيه على الله، «هو أعلم بمن اتقى».
الإنسان عند الفلاسفة: كائن يتميز بعقله، ومناط بالمسؤولية، وله قدراته العقلية والمعرفية التي يتميز بها.. والإنسان في لغة العرب مشتق من الإيناس، ومعناه الإبصار، وسمي إنسانًا لاستئناسه بغيره.
وليس غريبًا أن نتأثر بشخصيات بعض القادة في حياتنا، لانجذابنا لصفات إنسانية في سلوكياتهم، فالقائد يتعلم الناس من أقواله وأفعاله، ويزين سمعته بينهم: حسن معاملته لهم وقضاؤه لحوائجهم.. وأنا لا أتزلف لسموه، فهو لا يحب المدح، ويخشى أن يصيبه بالغرور، وإنما أعبر عن مشاعري تجاه هذا الإنسان المتميز.. «فالمدح المبالغ فيه لا يختلف عن الذم القبيح».
وفي أحد لقاءاته منع سموه شاعر من إكمال قصيدته، وخاطبه: أنا مانع القصائد في مجالسي، لأن فيها ثناء.. أنا الذي يسعدني هو: «أن تعطوني الفرصة لخدمتكم».
وعندما يكون في جولة تفقدية ويثني مواطن على جهوده في افتتاح أي مشروع مفيد للمواطن، يقول سموه: كل ذلك تحقق بدعم خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده يحفظهما الله.
المجالس مدارس، وخالد الفيصل خريج جامعة أكسفورد أكاديميًا، وخريج مدرسة الملك فيصل عمليًا.. مجلسه يجذبك بدروسه المستنبطة من الحياة، وتتعلم فيه الجديد، من خلال فن الحوار.. كما لا يخلو هذا النقاش أحيانًا من سرده لبعض القصص والمواقف الإنسانية التي تأثر بها من والده «الملك فيصل رحمه الله».. هذا الزعيم الذي «ولد ملكًا»، وكان رائدًا للتضامن العربي والإسلامي.
والقصص وسيلة لنقل المعرفة والتعلم من التجارب، وفي هذا المقال أسرد بعض القصص التي توضح جوانب إنسانية في شخصيته.
* سرعة البديهة:
عرف الأمير خالد بسرعة البديهة وروح المداعبة، وفي إحدى المرات كان في جولة تفقدية، وعندما عاد إلى جدة وحضر مجلسه الأسبوعي، تفاجأ بأن أحد الحضور يسأله بصوت جهوري: «إيش أخبار أهالينا في القنفذة؟!» فرد فورًا: «كلهم يسلمون عليك»، وتبسم الحاضرون.
وفي جولة تفقدية أخرى، التقى سموه مع بعض طلاب المرحلة الثانوية في حوار سمح لهم فيه بتوجيه أسئلتهم، وخلال اللقاء قام أحدهم بمخاطبة الأمير قائلًا: «أنا معلم وأنتحل صفة طالب لأعرض موضوعي»، فقاطعه الأمير: «أفا.. معلم وتغش».. فالحوار كان مخصصًا للطلاب، وإقحام المعلم لموضوعه بهذه الطريقة لم يعجب الأمير، لكون المعلم قدوة لطلابه، فكيف يغش أمامهم؟!.
* المرسام السيف:
يقول ابن خلدون «أعلم أن السيف والقلم كلاهما آلة لصاحب الدولة، يستعين بها على أمره».. والأمير خالد الفيصل عندما يدخل الأمارة يستقبل المراجعين أولًا وعندما ينتهي، يدخل مجلس النساء- الذي يتواجد به بعض موظفات الأمارة للتنظيم- ينظر في حاجاتهن، ويحرص على قضاء أمورهن.. واشتهر باستخدامه «القلم الرصاص» في الشرح على الاستدعاءات.
وسموه لا يخشى أن يتجرأ موظف على التلاعب بشرحه، فهيبته معروفة، ولم يحصل طوال سنوات عمله أن اكتشف حالة واحدة تم التلاعب فيها بشرحه المكتوب بالمرسام.
يقول سموه: «في إحدى المرات قرأت استدعاء امرأة، وتأثرت، وحرصت على معالجة موضوعها بحزم، وأخذت أكتب بمرسامي، ثم صدرت معاملتها للجهة المختصة، وبعد أسبوع راجعتني قائلة: عندما رأيتك تشرح بالمرسام لم يعجبني ذلك - فالمسؤولون يكتبون بأقلامهم- وبعد أن راجعت الجهة التي وصلها توجيهكم، علمت أن «مرسامك» سيف حاسم أنهى مشكلتي».
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
