Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. عبدالله السالم

الوحش أرحم من موظف ظالم!!

A A
مر الحكيم الصيني «كونفوشيوس» على قرية ومعه مجموعة من طلابه، ووجدوا امرأةً تنوح نواحاً حزيناً، فسألها: لِمَ تبكين؟، قالت: أنا أبكي على شاهدِ قبر أبي، الذي افترسه الوحش... وفي العام الذي تلاه، مرَ الحكيم على نفس القرية، وشاهد نفس المرأة تنوح في المكان ذاته بحزن، وسألها: لِمَ البكاء هذه المرة؟، فقالت: أبكي زوجي الذي افترسه الوحش!

وفي العام الذي تلاه، رأى الحكيم وطلابه المرأة ذاتها تنوح في المكان نفسه، فسألها: لِمَ تنوحين هذه المرّة؟، فأجابت وقد خنقتها العبرات: أنا أبكي ولدي الذي افترسه الوحش، فرد عليها الحكيم: ولماذا لم تغادروا هذا المكان من أول ما هاجمكم الوحش؟، فأجابت: لأنه لا يوجد موظف ظالم هنا!

فالتفت الحكيم لطلابه قائلاً: سجلوا في ملاحظاتكم: «الوحش أرحم من موظف جائر».

والموظف في العهود الصينية القديمة كان بمثابة إقطاعي وسيد يطاع.. وبعض الموظفين يتمادون في ظلمهم للناس، وافتراس كرامتهم وهدر حقوقهم، فيصبحوا مثل الوحوش المفترسة.

هذه القصة رواها الكاتب نجيب الزامل، وهو يُذكر أن الموظف الظالم قد يفسد على الآخرين حياتهم ويحولها الى جحيم.

بل إن بعض الموظفين يتفننون في استخدام فنون الاستغلال والابتزاز المتأصلة في شخصياتهم المعتلة.

يقال إن ابن الهيثم -المعروف بنبوغه في زمانه- تعرض لمكيدة من موظف مقرب للحاكم بأمر الله، فتجنب شره بادعاء الجنون.

وقصة ابن الهيثم ذكرتني بكثير من المكائد التي تعرض لها مفكرون وحكماء على مر العصور... ونجح بعض الحاقدين عليهم في تشويه سمعتهم، لإشباع عقد النقص في أنفسهم المريضة، والتغلب على الشعور بالدونية أمامهم.

كان الأديب المصري عباس العقاد يعلم بأن الناس تغيظهم المزايا التي يتمتع بها غيرهم، وقال في وصف ذلك: «علمتني تجارب الحياة أن الناس تغيظهم المزايا التي ننفرد بها، ولا تغيظهم النقائص التي تعيبنا، وأنهم يكرهون منك ما يصغرهم لا ما يصغرك، وقد يرضيهم النقص الذي فيك، لأنه يكبرهم في [عين] أنفسهم، ولكنهم يسخطون على مزاياك، لأنها تصغرهم أو تغطي على مزاياهم... وعرفت أن الذين أسخطهم لا يرضيهم عني شيء، وأن الذين أرضيهم لا يسخطهم عليّ شيء...» (كتاب أنا، ط 2، بيروت: المكتبة العصرية، 2007م).

كما روى نجيب الزامل أنه يتلقى في كل يوم العديد من رسائل قرائه الذي يشكون له معاناتهم بسبب «موظف جائر» يستغلهم بكل الطرق الممكنة ويعكر صفو حياتهم... وتساءل: لماذا يقوم الإنسان بعمل الوحوش، وينزل إلى مستواها، ويفقد مرتبته الإنسانية الكريمة؟ (بتصرف عن: الحياة في 6/9/2009م، ص 10).

ويروى أن الحكيم أيوب قال: «ما يثير في الناس الحسد هو تلك المزايا التي لا يستطيعون هم أنفسهم أن يتمتعوا بها».

يقول الكاتب أمبروز بيرس: «النجاح هو الذنب الوحيد الذي لا يغفره حسادنا».

فهناك صنف من البشر لا يتمنى لغيره الخير... قال الله تعالى: «أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله...» الآية 54، سورة النساء.

وذكر الدكتور محمد البيومي أن هذه الآية وضعت القول الفصل في قصة النعم والمنح الإلهية... التي تعتبر عطاءً من الله تعالى، لا دخل للإنسان فيها سوى أنه يكدح في طلبها أخذاً بالأسباب... ويختم نصيحته قائلاً: فاستعذ «برب الفلق، من شر ما خلق، ومن شر غاسق إذا وقب، ومن شر النفاثات في العقد، ومن شر حاسدٍ إذا حسد» (نقلاً عن موقع: Ahram.org.eg).

اللهم أكفني شر كل حاسد، ورد كيده في نحره.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store